مقدمة
يعتبر التعليم و التدريب من الأدوات الرئيسية التي تساهم في تكوين الإنسان و إعداده للعمل. ويهدف النظام التعليمي الجامعي الهندسي إلى توفير فرص التعليم والتعلم للطلاب ونقل المعرفة إليهم وتطوير قدراتهم ومهاراتهم بما يمكنهم من المشاركة بفاعلية في خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد وممارسة مهنة الهندسة بإبداع ومسئولية. مرت طرق وأساليب التعليم و التدريب الهندسي بمراحل مختلفة علي مختلف العصور، إذ انتقلت مهامهما من الأسرة إلي المعلمين الحرفيين، ثم إلي المدارس و المعاهد و الجامعات. وكان ذلك نتيجة لتطور تقنيات ووسائل العمل. قد بدء التعليم والتدريب الهندسي (المهني) منذ زمن بعيد، وذلك بتدريب العمال في مكان العمل على كبفية أداء أعمالهم. ويمثل قانون حامورابي، الذي اهتم بالصناعات اليدوية، أول القواعد و القوانين التي تحكم التدريب الهندسي. أول مدرسة للتعليم الهندسي والفني في العصر الحديث، أنشئت بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1818 "المعهد الميكانيكي لولاية أوهايو" وذلك لتلبية حاجة الملحة للصناعة الأمريكية إلي البرامج التدريبية.
ترتب على الثورة الصناعية تطورات منهجية في الاعمال الهندسية، شملت أساليب و طرق التفكير، و وسائل العمل و الإنتاج. مما تطلب أن تركز البرامج الدراسية الهندسية علي الجوانب المعرفية وتنمية المهارات. فركزت برامج الدراسات الهندسية قبل العام 1950 على التطبيق العملي و التصميم المعتمد على المعاير والمطلوبات المهنية و الاستخدام المحدود للعلوم الرياضية. أعتمدت هذه البرامج على أعضاء هيئة التدريس ذو خبره العملية نظراً للارتباطها القوى مع الصناعة. إن التطور التقني في النصف الثاني العشرين تتطلب إصلاحات في البرامج الدراسية الهندسية. فكان تركيز هذه البرامج في الفترة من 1950 وحتى 1990 على العلوم الهندسية وفهم أساسي للظواهر وتحليلها. واعتمدت برامج التعليم الهندسي في هذه الفترة على أعضاء هيئة التدريس مدربين على البحث العلمي. إن التطور التقني السريع في نهاية القرن العشرين تتطلب أن تركز البرامج الدراسية الهندسية على تطوير المهارات في العمل الجماعي والاتصال والتكامل و التصميم والتصنيع والتحسين المستمر مع المحافظة على تطوير المقدرة التحليلية للدارس.
شهدت الأعوام العشرين الماضية كثيرا من المستجدات المتلاحقة والسريعة في المجالات الهندسية المختلفة وفي مجال تقانة الاتصالات والمعلومات، والتي تحتاج إلى الكثير من الجهد والمتابعة والمثابرة لضمان مواكبتها والتفاعل مع قوانينها والسعي إلى الإفادة منها. ويعتبر الحقل الهندسي من أكثر المجالات عرضة للتقادم وأشدها حاجة للمراجعة والتجديد وذلك بحكم ارتباطه المباشر بالمجال التقني، كما يعتبر أحد القوى الدافعة وراء هذه التغيرات السريعة. إن تطوير وتحديث البرامج الدراسية الهندسية يتطلب إجراء تغييرات منتظمة في هيكل و مناهج و طريق تقديم التعليم لمواكبة متطلبات سوق العمل والمستجدات التقنية. إن المهتم بالتعليم الهندسي بالسودان يلاحظ أن إعادة هيكلة وتحديث المناهج تسير ببطء شديد للغاية، وبوتيرة لا تتوافق مه وتيرة تطور المعرفة والتي تتطلب إلى استمرار إضافة محتوى جديد للبرنامج الدراسية. من هنا تبدو الحاجة إلى مراجعة برامج التعليم الهندسي في السودان في هذا الوقت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. أن برامج التعليم الهندسي الحديثة لابد أن تهتم بالمواضيع التالية:
1. الفرص والتحديات أمام مهنة الهندسة.
2. المتطلبات الجديدة في برامج الهندسة.
3. التقييم الهندسي.
الفرص والتحديات
يجب أن تتعامل برامج التعليم الهندسي في عصرنا الحالي مع كثير من الفرص والتحديات التي تواجه مهنة الهندسة بصورة عامة. وتتلخص التحديات الرئيسة التي تواجه تعليم ومهنة الهندسة في الوقت الحاضر بالآتي:
1. التطور الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات وانتقال المعلومات والذي يتطلب الإلمام بمهارات كثيرة ومتجددة.
2. العولمة وما يتبعها من ضراوة المنافسة العالمية في الحصول على وظائف وتطوير المنتجات.
3. تطور علوم الهندسة الحيوية والوراثية، مما يتطلب اكتساب مهارات جديدة في علوم الحياة ووظائف الأنسجة وغيرها وهي مجالات جديدة على فروع الهندسة التقليدية، كما أنه يطرح قضايا أخلاقية من الصعب الوصول إلى حل واضح حيالها.
4. تغير ظروف العمل كنتيجة للعوامل السابقة مجتمعة والذي يفرض على المهندس أن يكون ذا قاعدة صلبة وعريضة في العلوم الأساسية والعلوم الهندسية.
مواجهة هذه التحديات تتطلب أن تتوفر في التعليم الهندسي الحديث الصفات التالية:
1. تعلم فاعل مبنى على المشروع.
2. تكامل تطوير مفاهيم الرياضيات و العلوم ضمن المحتوى التطبيقي.
3. تفاعل قريب مع الصناعة.
4. استخدام واسع لتقنية المعلومات والاتصال.
5. الاهتمام بجودة التعليم العام وتأثيره كمدخل أساسي للتعليم العالي الهندسي.
6. تكريس جهود أعضاء هيئة التدريس نحو تطوير مهنة الهندسة كناصحين و حكام بدلاً من مصدر لتزويد المعلومات.
رغم التحديات سالفة الذكر، هنالك فرص لا بد من الاستفادة منها لتطوير وتحديث برامج الدراسات الهندسية، وتشتمل هذه الفرص على:
1. أهتمام كل القطاعات المستفيدة من التعليم الهندسي بإعادة تشكيل التعليم العالي الهندسي.
2. المعايير الجديدة للاعتماد الأكاديمي تحتم التغيير.
3. وجود برامج للإبداع و طرق للتدريس الفاعل.
4. توفر الدعم المالي و المعنوي.
5. توفر تقنيات التعليم والتعلم الحديثة كنتيجة لتطوير تقنية المعلومات والاتصال.
6. ازدياد أهمية دور التعليم الهندسي في رفاهية الشعوب.
المطلوبات الجديدة لمهنة الهندسة:
تضع التحديات والفرص أمام مهنة الهندسة مؤسسات التعليم الهندسي أمام مسؤولية كبيرة للارتقاء بقدرات المهندسين، وإعداد خريجين قادرين على الابتكار ومستعدين لتقبل التغيير والمساهمة الفاعلة فيه، وان يكونوا على دراية عميقة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على ممارسة مهنة الهندسة.
لتلبية واستيفاء هذه المطلوبات يجب أن تهتم لبرامج الدراسية الهندسية بالمواضيع التالية:
1. زيادة جرعة التحليل في البرامج الهندسية، ودراسة الأدوات الضرورية للتحليل مثل نظريات الاحتمالات والإحصاء والتحليل العددي وبعض المهارات الرياضية والحاسوب وغيره. حيث أن مهنة الهندسة في عصرنا الحالي تتطلب أن يكون المهندس مساهماً في حل المشكلات وليس فقط مصمماً كما هو الحال في برامج الهندسة التقليدية.
2. الاهتمام بمهارات الاتصال لمكتوبة أو الشفهية في مناهج الهندسة والتدريب العملي. أن همية مهارات الاتصال مساوية أهمية للمهارات الفنية في ممارسة مهنة الهندسة اليوم، وقد تزد عليها في بعض الظروف.
3. غرس مهارات العمل بروح الفريق وبناء الشخصية المتكاملة والتدريب عليها في برامج الهندسة، حيث أصبح عمل المهندس يتطلب في الوقت الحالي العمل جنباً إلى جنب وفي انسجام مع العلماء والإداريين والاقتصاديين وذلك لإيجاد الحلول لبعض المشكلات. وقد يتحقق ذلك عن طريق المشاريع المشتركة بين الطلاب و تنشيط الأندية العلمية والنشاطات اللاصفية.
4. تمكين الدارس من قاعدة الصلبة في العلوم الأساسية والعلوم الهندسية والتي تمثل الأساس لتكامل المعرفة وسعة الافق.
5. تنمية مقدرة الخريج على استيعاب تخصصه والتفاعل مع العلوم الأخرى، إضافة إلى تأهيله لاستيعاب المتغيرات والتي قد تكون سريعة جداً في مجال عمله العلوم الأخري. فقد أصبح من الضرورة على المهندس أن يكون ملماً ببعض العلوم الأخرى مثل نظم المعلومات والإدارة، والاقتصاد وبعض العلوم الاجتماعية والإنسانية. تساعد هذه العلوم المهندس على سعة الأفق وتنمي قدراته على استيعاب المشكلات بإطارها الصحيح وإيجاد الحل الفني المقبول اقتصادياً واجتماعياً.
6. إلمام الخريج بأخلاقيات المهنة، وقيم الاستعداد للمساعدة, والاهتمام بالمحافظة على البيئة, والالتزام بالجودة و الإنتاجية و الضلوع في خدمة الآخرين. ويتطلب ذلك دراسة عدد من مقررات العلوم الإنسانية.
7. استخدام معايير الاعتماد الأكاديمي الحديثة، لتحديث وإصلاح البرامج الدراسية.
ان المعرفة هي بمثابة قاعدة للمعلومات بالنسبة للمهندس. إن حجم المعلومات الذي يتطلب من المهندسين معرفته في ازدياد مضطرد. وقد يحصل المهندسون اليوم على وظائف في حقول ليست هندسية تقليدية لذا على المهندس فهم بعض الأساسيات التي لا تقع ضمن مواد المنهج الهندسي. تمكين الخريج من كل هذه المهارات والمطلوبات لا يمكن تغطيته في منهج دراسي وفي فترة الدراسة المحددة بخمسة سنوات. مما أدى إلى تغير الاهتمام في التعليم الهندسي من العرض البسيط للمعرفة إلى تكامل المعرفة و تطوير المهارات اللازمة للاستخدام الأمثل لها. يمكن تحقيق التوازن بين المهارات المطلوبة ومحدودية فترة الدراسة بالأساليب التالية:
1. الموازنة بين التوسع والتعمق في البرامج، فتهتم البرامج الدراسية بتجسير الفجوة بين الخريج العلوم المختلفة في تخصصه وتمكينه من دراسة ما يحتاجه لاحقاً بعد تخرجه وحسب طبيعة عمله عبر برامج التدريب وإعادة التأهيل المتوفر في الجامعات والشركات وعبر شبكات الإنترنت.
2. المرونة في تصميم البرامج وصياغتها لتستجيب لرغبات الطلاب المختلفة، وذلك بإلغاء المناهج الهندسية التقليدية و استبدالها بمسارات متعددة لتخصصات مختلفة .
3. أن يتم التركيز على المهارات وطرق التحليل وليس المعلومات التي أصبحت الآن في متناول الجميع، ولذا من الممكن تقليص بعض محتويات المقررات التي تغطي الجانب المعلوماتي فقط.
4. زيادة الجرعة التحليلية على حساب الجرعة التصميمية والتي وإن كان ضرورياً بقاؤها في البرامج الهندسية إلا أن الحاجة لها اليوم ليست كالأمس.
5. تغيير الاهتمام من توفير التدريب لتوفير مجموعة رئيسه في أساسيات العلوم و الهندسة التي ستساعد الطلاب في تكامل المعرفة بين المواد و التخصصات و تسليحهم بمهارات التعلم مدى الحياة.
يجب أن تصمم البرامج الدراسية الهندسية لتحقيق مخرجات البرامج التالية:
1. المقدرة على استخدام تقنية المعلومات والاتصال الحديثة و الإلمام باللغات و الحضارات الأجنبية.
2. الاستخدام الأمثل للمصادر و حماية البيئة و الآثار النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية وغيرها.
3. مواكبة متطلبات سوق العمل.
4. الالتزام بالقيم.
التقييم الهندسي
يتطلب الوضع الاقتصادي الحالي والتطورات العالمية في مجالات الهندسة والتقنيات تقييم ومراجعة المناهج الدراسية الهندسية بشكل دوري وبوتيرة أسرع من ذي قبل، نظراً لزيادة المنافسة العالمية والتطور السريع في العلوم والتقنية. لنجاح عمليات التقييم والمراجعة لابد من تحقيق المطلوبات التالية:
1. أن تنبع قناعة التقييم من المؤسسة التعليمية والعاملين بها بأن لا يكون مفروضة عليهم.
2. أن يكون الموقف إيجابياً من التقييم وبهدف التطوير والتحديث. ومن الضروري تقبل نقاط الضعف بصدر رحب والعمل على إصلاحها.
3. الأخذ في الاعتبار وبجدية وبشكل موضوعي أراء الخريجين وأصحاب العمل في القطاعين الخاص والعام عن مستوى البرامج الهندسية وخريجيها والاستفادة من أراءهم في تحسين البرامج الهندسية.
4. أن يكون التقييم مؤسسياً وليس من أفراد.
5. تطوير معايير أداء موضوعية ومن الممكن قياسها حتى تساهم في قياس التحسن الناتج من التطوير. وقد يكون من المفيد الاسترشاد بالمعايير العالمية مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحلية عند تطوير المعايير الخاصة بالمؤسسة التعليمية المعنية.
6. إنشاء وحدة مستقلة لأغراض "التقييم والاعتماد الأكاديمي" .
تحديات المؤسسات التعليمية
إن تحديث البرامج الدراسية الهندسية والنجاح في إعداد خريجين يمتلكون المعارف والمهارات الضرورية لممارسة مهنة الهندسة في عصرنا الحالي يتطلب من المؤسسات التعليمية الاهتمام بالمواضيع التالية:
1. الاهتمام بتطوير مهارات الطلاب للتعلم مدى الحياة و تأهيل المهندسين الذين على رأس العمل.
2. استخدام أساليب التدريس الحديثة مثل التعلم الفاعل, والتعلم التعاوني, والتعلم الذاتي و غيره، لتحسين مستوى مخرجات البرامج التعليمية المعرفية و المهنية.
3. إعادة تعريف إجازات البكالوريوس و الماجستير. وربما تكون شهادة البكالوريوس حالياً غير كافية للتأهيل لسوق العمل.
4. المفاضلة بين تعليم هندسي الموجه للمدى البعيد أو تعليم هندسي مهني الذي يخرج طلاب ذوي مهارات تطبيقية تلبي حاجة الصناعة الآنية.
5. معرفة احتياجات المجتمع من مهارات الريادة و السبل الكفيلة لمقابلة تلك الاحتياجات.
6. توفير الدعم المالي اللازم لمقابلة التحديات التي تواجه التعليم الهندسي. والاستخدام الأمثل لمصادر التمويل. وتحديد الأولويات و إيجاد مصادر تمويل بديلة و متنوعة .
لا تتحقق الغاية من إصلاح البرامج الدراسية الهندسية إلا بمشاركة أعضاء هيئة التدريس، واستيعابهم للفرص والتحديات التي تواجه مهنة الهندسة في عصرنا الحالي، وإلمامهم بصورة واضحة بمخرجات البرامج التعليمية والمهنية. لتحقيق ذلك على المؤسسة التعليمية الاهتمام بالتالي:
1. توفر التدريب و التغذية الراجعة على الأساليب الحديثة في التدريس وتشجيع أعضاء هيئة التدريس على استخدامها.
2. اتخاذ الإجراءات اللازمة لخلق مناخ حيوي و صحي يساعد على التغيير تدريجياً.
3. تفعيل دور عضو هيئة التدريس في التعليم الهندسي الحديث كناصح أو مشرف فقط.
4. تمكين عضو هيئة التدريس من مواكبة التغيرات و المتطلبات الحديثة لمزاولة المهنة.
5. تطوير الأساليب الفاعلة و المبدعة في التدريس.
6. المشاركة في برنامج تطوير مهارات التدريس.
أن تحقيق أهداف وغايات البرامج الهندسية يتطلب استخدام أساليب فاعلة في التدريس متمثلة في:
1. مزاولة الأنشطة الفاعلة التي تساعد في ازدياد المعرفة و المهارات.
2. التوازن المطلوب بين أنماط التدريس المختلفة مثل التدريس المرتكز على المعلم, و المرتكز على الطالب وبين التعلم الفردي و التعاوني.
3. دافعية الطلاب للتعلم الذاتي و تحمل المسؤولية.
4. التغلب على مقاومة التغيير من جانب أعضاء هيئة التدريس.
خاتمة
إن نظام التعليم الهندسي معقد كثيراً و متنوع و بالتالي من الصعوبة إيجاد حل عام. إن سرعة التقدم للتعليم الهندسي سيختلف من مؤسسة تعليمية إلى أخرى و هذا يعزز الإثراء و التنويع في أساليب التعليم المطلوبة.و تشير الدلائل على إن التعليم الهندسي يتوجه نحو مستقبل غني بالمعلومات و متمركز على الطالب و يمتد فيه التعلم إلى ما بعد التخرج. ومن الواضح أن أساليب التدريس التقليدية ليست كافية لتسليح خريجي الهندسة بالمعرفة, و المهارات و السلوك و القيم اللازمة لمواجهة متطلبات القرن الحالي. ولابد من استخدام أساليب التدريس البديلة و التي تم اختبارها أثبتت كفائتها و لها قابلية عالية لتحقيق الأهداف المنشودة.
الأحد، 1 يناير 2012
مطلوبات التعليم الهندسي الحديث
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق