الجمعة، 27 يناير 2012

إني أرى شجراً يتحرك

الحركة الإسلامية وإحتكار العمل السياسي

المتابع للشأن السياسي منذ إنقلاب الانقاذ وإقتصاب السلطة السياسية بالقوة من قبل الحركة الإسلامية السودانية (بغض النظر عن تنظيماتها ومسمياتها) لابد ان يكون مصاب بالدهشة من سلوكيات هذه الجماعة وتقلاباتها وفقدانها بوصلة لتحديد الاتجاه الصحيح .... طيلة هذه الفترة فقدت الحركة الإسلامية الحاكمة التفكير الاستراتيجي للتعامل مع قضايا البلاد وتعقدات الواقع السوداني ... لتحقيق التنمية والرفاهية لهذا الشعب الصابر ..... وصلت الحركة الاسلامية للسلطة عبر إنقلاب عسكري مارست فيه كل فنون الكذب والتضليل وهما صفتان لا يمكن ان يتصف بهم أي مؤمن ...... وإستباحت دماء الناس دون حق وأرتكبت الكبائر .... فقتلت النفس التي حرم الله قتلتها ....... كل ذلك حدث بتأيد كامل من كل منسوبي الحركة الإسلامية .... ودعم فتوي من علمائها ... تطويعاً للنصوص دون خوفاً من الله ولا واعزاً من ضمير .... عملت الحركة الإسلامية من أجل التمكين وتوطيد مشروعها الحضاري والذي لا يمثل أكثر من شعارات لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تمثل دافع لتنمية البلاد وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ..... الشعارات مهما ما كانت قدسيتها لا تمثل أرضية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ...

ارتبط العنف بالعمل السياسي لدى الحركة الاسلامية وهي أول تنظيم استخدم العنف في الصراع الفكري والثقافي وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي بجامعة الخرطوم ولازم العنف وإقصاء الاخر والترهيب كل النشاط السياسي للحركة الاسلامية وهذا أمر غير مثير للدهشة ..... المثير للدهشة ان تستخدم كتائب الحركة الاسلامية لقمع المظاهرات ويعلن عن ذلك رسميا .... طيلة الفترة السابقة يعلم الجميع مشاركة كتائب الحركة الاسلامية المسلحة في حسم النشاط السياسي ولكن ان يعلن عن ذلك رسميا كما حدث في احداث نيالا ماخراً ظاهرة جديرة بالاهتمام ...... هل تعمل الحركة الاسلامية على تحطيم هذا البلد ولمصلحة من ؟ ان السياسات الخرقاء وضيق. الأفق السياسي آدت إلى تقسيم البلاد عبر الشراكة الإستراتيجة والمشبوه بين الحركة الإسلامية والحركة الشعبية لتحرير السودان ..... وكنا نظن إن ذلك عبرة لمن يعتبر ... للمحافظة على وحدة البلاد وإستقرارها ..... من لطف الله بأهل السودان ان المعارضة الرئيسية (أمة وإتحادي وشيوعي) لا تعول على العنفوالكتائب المسلحة ...... بغض النظر في اسباب ذلك سواء لضعفها أو تفكيرها الاستراتيجي غير مهم ؟ حتى متى سيكون ذلك هو الحال مع استخدام الحركة الاسلامية لكتائبتها لحسم الصراع السياسي ..... ان استخدام الكتائب المسلحة في العمل السياسي اليومي يمثل كارثة بكل المقايس ولا يحقق استقرار في البلاد ... والتاريخ يشهد على كثيراً من الأمثلة .... لبنان والصومال وكثير من الدول الإفريقية...... لم يكفي هذا الحاكم الإسلامي ما تحت إمرته من قوات شرطة وجيش وأمن الرسمي والشعبي منه ..... حتى ولجاء إستخدام كتائب مسلحة لحسم صراع سياسي وفرض مواقفه.

إن ما تقوم به الحكومة يتعدى مرحلة الخلاف السياسي والمعارضة لتوجهات سياسية .... أن أسلوب استخدام الكتائب عمل خطر يهد كيان وبقاء هذا البلد وإستقراره وعلى العقلاء في الحركة الإسلامية (إن كان هناك عقلاء) العمل على ايقافه وهم المسؤلون عن ذلك .... لا يمكن ان يرتبط الإسلام بقتل العباد وتخريب البلاد ونشر الفساد وعدم الاستقرار......... أليس هناك عقلاء وسط الحركة الاسلامية يخاف الله في هذا البلد ويعلم أخوانه بأنه يرى سخر يتحرك ويهديهم إلى الصواب .... إتقوا الله فينا وفي هذا البلد


ولنرفض جميعاً وبكل وسائل التعبير. واحتجاج السلمية الزج بالكتائب الحزبية في حسم الصراع السياسي ...... لا بد ان نرى الشجر الذي يتحرك ...... إن ممارسات الحاكم الإسلامي الحالي تهدد كيان هذا البلد مما يجعل كل الملفات الاخرى من فساد وديمقراطية وحريات والتداول السلمي للسلطة والعدالة الاجتماعية أقل أهمية

الأربعاء، 4 يناير 2012

العنف الطلابي

- إن التعليم و التدريب يعدَّان من الأنشطة الاجتماعية الرئيسية التي تساهم في تكوين الإنسان وإعداده للعمل، مما ينعكس على تطور المجتمعات ورفاهيتها.
- الجامعة مؤسسة أكاديمية تاريخها يمتدلأكثر من ملايين سنةٍ مما جعل له جذوراً عميقة، وتقاليد راسخة وصارمةً
- كلمة "أكاديمية " مستمدة من اسم من حديقة عامة في أثينا كان يملكها البطل اليوناني، Academus؛ الذي أعطى هذه الحديقة لأفلاطون قبل عدة سنوات من قبل ميلاد المسيح. حيث أقام فيها أفلاطون مسرحا للموجهين والطلاب لتبادل الأفكار وتطويرها، واقتراح فلسفات الحياة.
- من حينها حتى اليوم تعرف "الأكاديمية" بالمؤسسة التعليمية التي تعزز النمو الفكري.
- مهدت أكاديمية أفلاطون إلى "الجامعة" في عصرنا الحالي، والتى تمثل منتدى للبحث عن الحقيقة، وإنتاج المعرفة ، والقيام بالتواصل من أجلالتعلم
- الأكاديمية لها طابع خاص نابع من أصولها وهو: المسؤولية المدنية لإجراء الحوارات المعنية بنزاع الأفكار وإختلافها. بإسلوب سلمي مستنداً على مبدأ حرية الفكر والتعبير، وحرية التعلم ، الاستفسار، والتحدي.
- إن إنتاج وإصدار المعرفة الجديدة لا يمكن أن يمضي قدماً دون هذه الحرية. وهذا ما يعطي الجامعة طابعها الخاص والمتفرد.
- الاختلاف في الأفكار ووجهات النظر من سمات الجامعة ويساهم في تطوير مقدرات الطلاب و تكوينهم النفسي والذهني وإعدادهم لتحمل مسؤلياتهم المستقبلية .... ويتطلب ذلك حرية الفكر والتعبير والتعلم والاستفسار في بيئة تفاعلية ، بعيدة عن العنف وإقصاء كالأخر تحت إشراف الأساتذة (الموجهين) ...... ويتطلب ذلك إستقلال الجامعة فكرياً وسياساً ومالياً وإدارياً


مسببات العنف الطلابي:
- تتدخل تنظيمات سياسية خارجية (حكومة أو معارضة) في شؤون الجامعة ومحاولة توجيه الطلاب لتحقيق اهداف خاصة بها ونقل صراعاتها إلى الحرم الجامعي، وتشجيع الطلاب على استخدام العنف في نشاطهم السياسي، مستفيدة من مناخ الحرية بالجامعة، كل ذلك يطعن في استقلال الجامعة؛ ويقعدها من القيام بمهمتها الاساسية ويدخل الطلاب في صراع مباشر مع بعضهم في محاولة إقصاء كل مجموعة للأخرى ليس بعمل العقل والمنطق بل باستخدام القوة والعنف، ويصبح الصراع صراع على مكاسب سياسية بعيدة عن صراع أفكار ولا يتبع التقاليد الأكاديمية المعروفة .... العمل السياسي مهم لتكوين شخصية الطالب لكن يجب ان يمارس داخل الجامعة دون تتدخل من التنظيمات السياسية خارج الجامعة والسلطة الحاكمة وان يمارس بأجندة الطلاب وليس بأجندة التنظيمات السياسية في خارج الجامعة .....

- ضعف النشاط اللاصفي بالجامعة (ثقافي-رياضي- خدمة مجتمع- الخ) لعدم توفر البنية التحتية لمثل هذا النشاط من ملاعب ومسارح وأدوات موسيقية وموجهيين وغيره .... فمثال في جامعة الخرطوم هناك ملعبين لكرة القدم وملعبين لكرة السلة وحوض سباحة واحد متاحة حوالي ٣٠ آلف طالب ... وأكثر هذه الملاعب تحتاج الى كثير من الصيانة وإعادة التأهيل ولا يوجد مسرح بمواصفات مقبولة ويضاف إلا ذلك قلة عدد الموجهين في المجالات الثقافية والرياضية ..... في كل جامعات العالم مثل هذه البنيات التحتية متاحة مواصفات عالمية وقد تكون أحسن الملاعب والمسارح بالمدينة........ ولا أظن ان الجامعة تملك الموارد الضرورية لإنشاء مثل هذه البنيات .....

- ضعف تواصل الأساتذة مع الطلاب وانسداد قنوات الحوار بين الأساتذة والإدارة من جهة والطلاب من جهة أخرى .... وقد يعود ذلك للزيادة الكبيرة في عدد الطلاب دون زيادة مقابلة لها في عدد الأساتذة.... وعدم توفر الوقت الكافي للأساتذة لذلك الحوار لانشغالهم في توفير مطلوبات الحياة في حدها الأدنى .... ان مرتب الاستاذ من الضعف مما يجعله ان يقوم بمهامه في حد قد يكون من الأدنى .... ويقتصر على المحاضرات .... وحتى المحاضرات قد لا تنفذ بصورة مرضية ...... ان عدم إعطاء الأستاذ جل وقته للأنشطة الصفية ولا صفية بالجامعة ..... يهزم بالكامل دور الجامعة التي يجب ان تكون كل أنشطة الطلاب فيها تحت إشراف وتوجيه الأساتذة.... فمن الضروري مراجعة الوضع الوظيفي للأساتذة من أجل استقرار الجامعة وإبعاب شبح العنف في إدارة الصراع والاختلاف بين الطلاب

- الاسلوب المتبع حاليا في تكوين (إنتخاب) اتحاد الطلاب .... الجامعة مجتمع صغير community وليس مجتمع كبير society ....... مثل النادي أو الحي فمن الضروري مشاركة الجميع في إدارة شؤونه....نظام انتخاب اتحاد الطلاب المعمول به حاليا استقصائي ويسمح بمجموعة واحدة بإدارة شؤون الطلاب بالجامعة .... مما يولد مناخاً ملائما للعنف .... من الضروري مراجعة اسلوب الانتخاب الحالي للسماح لجميع الطلاب بالمشاركة في إدارة شؤونهم

- محاولة النيل من إستقلال الجامعة وإخضاعها لتحكم السلطة الحاكمة بوسائل مختلفة منها العنف .... قد يكون مهدداً لإستقرار الجامعة مساعداً في توفير بيئة تؤدي للعنف كردة فعل من الطلاب .... مواجهة بين الطلاب والسلطة الحاكمة وهناك أدلة كثيرة عل ذلك مثل ما حدث عام ١٩٦٣ عندما ضمت الجامعة لوزارة التربية والتعليم وغيره من الأمثلة

- ضعف الإرشاد والنصح المقدم للطلاب حيث تفتقد الجامعة متمثلة في عمادة الطلاب للمرشدين المؤهليين أكاديماً والذين لديهم خبرة في مثل هذا المجال .... للمرشدين دور محوري في توجيه الطلاب وتعليمهم إدارة الخلاف بينهم بمنهج سلمي وباستخدام العقل والمنطق ... قبول الهزيمة بروح سمحة وعدم إقصاء الأخر لي أي سبب من الأسباب ..... وتطوير مقدرة الطالب (افراد وتنظيمات) على قبول الراى الآخر مهما كانت بعيداً مما يراه صحيحاً .....
د
ش

الأحد، 1 يناير 2012

التعليم الهندسي: بين التقاليد المورثة والتحديات المعاصرة

مقدمة:
توفرت في مطلع هذا القرن ظروف علمية وتقنية واقتصادية، أتاحت للمجتمعات الإنسانية الانتقال من مرحلة الاختراعات المتقطعة والمنفردة إلى مرحلة أوسع تتميز بالتحولات المنظومية للتقانات كافة، مما ساعد هذه المجتمعات على القفز من مجتمع الصناعة- التقانة إلى مجتمع المعرفة। في حقيقة الأمر تشهد البشرية في عصرنا الحالي ثورات عدة متفاعلة. هذه الثورات التي تحدث التأثير في المجتمعات المعاصرة تتمثل في:




  1. ثورة العولمة الاقتصادية، والتي ستقود إلى الفصل بين الاقتصادي والسياسي وتفَوُّقِ الأول على الثاني


  2. ثورة الاتصالات والمعلومات، التي تتسع حدودها على نحو مستمر وبطريقة تتعقد معها عملية التحكم بها وإدارتها


  3. الثورة الجينية، التي تسير نحو التأثير في الأجناس البشرية والنباتية والحيوانية، وتقلب بدورها مفاهيم الحياة والإنجاب وتحديد الأجناس الحيّة


  4. ثورة التقانة النانوية، التي ستسمح بتطبيقات كانت حتى فترة قريبة ضرباً من الخيال।


في هذا الواقع المعاصر يكتسب التعليم بصورة عامة والتعليم العالي بصورة خاصة أهمية قصوى في المجتمعات والدول الحديثة، وذلك لدوره في إحداث التطور الحضاري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وأصبح التعليم يمثل مورداً استراتيجياً للمجتمعات الحديثة والذي يمد المجتمع بكافة احتياجاته من الكوادر العلمية والفنية المتخصصة، مما يجعله طاقة إنتاجية متنوعة وثروة متجددة ودائمة تؤدي إلى زيادة القيمة المضافة وتعزيز النمو الاقتصادي، والتي من شأنها تحقيق رفاهية المجتمعات ومحاربة الفقر.

إن القدرة على مواكبة التغير السريع في المجالات التقنية المعاصرة، يعتمد بشكل رئيس على الوعي بحجم التحديات والصعوبات التي تفرزها هذه التقنيات، والتي تحتاج إلى الكثير من الجهد والمتابعة والمثابرة لضمان مواكبتها والتفاعل مع قوانينها والسعي إلى الإفادة منها. ويعتبر الحقل الهندسي، والتعليم والتدريب المرتبط به من أكثر المجالات عرضة للتقادم وأشدها حاجة للمراجعة والتجديد والملاءَمة وذلك بحكم ارتباطه المباشر بالمجال التقني بل لعله يصنف ضمن العوامل المؤثرة في هذه التغيرات السريعة. ومن هنا تبرز الحاجة لمراجعة أساليب التعلم والتدريب في المجال الهندسي، لتواكب تحديات القرن الحاي والعشرين.

تاريح التعليم والجامعات
إن التعليم و التدريب يعدَّان من الأنشطة الاجتماعية الرئيسية التي تساهم في تكوين الإنسان وإعداده للعمل، مما ينعكس على تطور المجتمعات ورفاهيتها. مر التعليم و التدريب في مختلف العصور بمراحل مختلفة، إذ انتقلت مهامه من الأسرة إلي المعلمين الحرفيين و إلى المدارس والمعاهد والجامعات. وذلك بعد تطور تقنيات العمل ووسائله التي أصبحت تحتاج إلى معارف ومهارات متطورة.

استمر التطور الأكاديمي لأكثر من ملايين سنةٍ مما جعل له جذوراً عميقة، وليس من السهولة التغيير فيه. وفي المقابل، فإن مهنة الهندسة، كما تقاس على سبيل المثال بعمر كليات الهندسة الجمعيات المهنية الذي قد يمتد إلى قرن أو اثنين تعتبر أصغر سنا بكثير. وهكذا، يمكننا أن نعتبر أن التعليم الهندسي بمثابة تركيز لنهج جديدة في التعليم يتناول الحاجة والمشاكل المعاصرة.
كلمة "أكاديمية " باللغة الإنجليزية academic مستمدة من اسم من حديقة عامة في أثينا كان يملكها البطل اليوناني، Academus. أعطى Academus هذه الحديقة لأفلاطون قبل عدة سنوات من قبل ميلاد المسيح. حيث أقام فيها أفلاطون مسرحا للموجهين والطلاب لتبادل الأفكار وتطويرها، واقتراح فلسفات الحياة. ومن حينها حتى اليوم تعرف "الأكاديمية" بالمؤسسة التعليمية التي تعزز النمو الفكري. مهدت أكاديمية أفلاطون إلى "الجامعة" في عصرنا الحالي، والتى تمثل منتدى للبحث عن الحقيقة، وإنتاج المعرفة ، والقيام بالتواصل من أجل التعلم. فالأكاديمية لها طابع خاص نابع من أصولها وهو: المسؤولية المدنية لإجراء الحوارات المعنية بنزاع الأفكار وإختلافها. إن التواصل بين الدارسين والباحثين بهذا الأسلوب يشجع يحمي على حد سواء "الحدائق الفكرية" في العالم مستنداً على مبدأ حرية الفكر والتعبير، وحرية التعلم ، الاستفسار، والتحدي. إن إنتاج وإصدار المعرفة الجديدة لا يمكن أن يمضي قدماً دون هذه الحرية. إن مفهوم حرية البحث والتفكير والتحديات ذات الصلة من جميع وجهات نظر منسوبي الأكاديمية يعطي الجامعة طابعها الخاص والمتفرد. يعتمد الطابع الوطني والثروة الاقتصادية في مجتمعاتنا المعاصرة وفي الدول الديمقراطية خاصة على التداخل المستمرة بين التعلم وحرية تطبيق المعرفة مع كل المخاطر الفردية والجماعية. حيث اعتمد تأسيس نظام حكومات على بنيات سياسية أساسية تسمح وتشجع المواهب والرغبات الفردية على الازدهار تحقيقاً للرفاهية الاقتصادية.

شكلت الحياة في الأكاديمية من قبل التعاليم المبكرة لأفلاطون وطالبه الأكثر شهرة وأرسطو، وتمثلت في التحليل المركز أو الدراسة في مجال ضيق وبعمق، "الاختزال reductionism " أو "تجزئة المعرفة fractionization of knowledge ". مما جعل من الصعب بعض الشيء بالنسبة للأكاديمية التعامل مع مفهوم تكامل المعرفة، أو التوليف synthesis، والذي يمثل السمة المميزة لفلسفة مهنة الهندسة.

عبر تاريخ تطور الأكاديمية أصبحت إهتمامات العلماء والدارسين أكثر تخصصاً، وقد يكون أكثر مما كان يهدف إليه أفلاطون، وخصوصا في عصرنا الحالي جيث ازدهرت العلوم والتقانة وأوجدت مجالات فرعية تشتمل على العديد من التخصصات فرعية.

تتطور العلوم في القرن الحادي والعشرين تطلب وبشكل متزايد إزالة الحدود والحواجز بين التخصصات المختلفة ، حيث تزايد إنتاج المعرفة في الحدود المشتركة والمتداخلة بين التخصصات المختلفة. انسجاما، مع ذاك أصبحت هناك حاجة متزايدة لقيام الأكاديمية بتعليم الطلاب وتثقيفهم لرؤية العالم كوحدة واحدة، ومساعدتهم لفهم الترابط بين المجالات والتخصصات المتباينة، وتعليمهم التوليف في التوازن مع التحليل، وتعزيز قدراتهم لبناء علاقات بين عالم التعلم والعالم خارجي.

تحديات الجامعة في الزمن المعاصر
في عام 1944، كتب فيلسوف القرن العشرين، وخوسيه أورتيغا عن رسالة الجامعة التالي: "إن الحاجة إلى إنتاج توليفات سليمة ومنهجة المعرفة سوف يحتاج إلى نوعا من العبقرية العلمية التي كانت موجودة الآن فتمثل فقط انحرافا: وهي عبقرية تحقيق التكامل. يعني هذا بالضرورة التخصص، كما هو حال كل جهد خلاق ومبدع ، ولكن هذه المرة يكون الفرد متخصصاَ في بناء الجامع. الزخم الذي يملي التحقيق إلى أجل غير مسمى في فصل مشاكل معينة، ونضج الأبحاث، يحتم ضرورة التحكم التعويضي، كما هو الحال في أي منظمة صحية، الذي يفترض أن تقدمه قوة جذب في الاتجاه المعاكس، ويحجز علم الطرد المركزي في نفع المؤسسة ... إن اختيار الأساتذة لا يعتمد على رتبهم كباحثين ولكن على مواهبهم للإنتاج."

تحدث أورتيغا بصورة عامة من احتياجات المجتمع المستقبلية التي يجب ان تهتم بها الأكاديمية، كما بشر بالابتكارات التي نوقشت خلال عقد الثمانيات من القرن الماضي في للتعليم الهندسي. عامة يجب التفكير في ما يلي: سيصبح العالم أكثر إثارة وأكثر تعقيداً في القرن الحادي والعشرين. مما يتطلب الاهتمام بطبيعة العمل والاسترخاء المتطورة على نحو متزايد، وتزايد الاعتماد المتبادل بين الثقافات المختلفة، وانتشار وسائل الاتصال التي ستؤثر على الأساليب التي نفكر ونعمل بها، والصعود من الأمم ، المنضبطة وتعمل بجد، والتطلعات المتزايدة للدول الأقل نموا، و القلق على البيئة الهشة.

عامة يتطلب التعقيد التخصص في السعي لتحقيق الاكتشاف، مما يتطلب التعمق في فهمنا للعالم الحديث وإنتاج المعرفة اللازمة لحل المعضلات الراهنة وتحسين نوعية الحياة. في هذه العملية ، نقوم باستمرار بتجزئة المعرفة ، وتحليل أي جزء مهما أصغر بعمق أكبر وأكبر. تدريب الموظفين في القرن 20 بشكل جيد على هذه المهمة، مما يمثل موطن قوة عالمية يجب المحافظة عليها، ولكن ما هي المهارات الإضافية المطلوبة قي قادة القرن الحادي والعشرين؟

تمثل القدرة على الربط بين الاكتشافات التي تبدو متفاوتة، والأحداث، والاتجاهات، وإدماجها في السبل التي تعود بالنفع على المجتمع العالمي، السمة المميزة للعاملين في العصر الحديث. ويجب أن يمتلكوا ماهرات التوليف بالإضافة إلى مهارات التحليل، كما يجب أن يتسموا بالذكاء من الناحية التقنية. وداخل المجتمعات الجامعية، على وجه الخصوص ، يجب أن تتوفر بيئة فكرية وتعليمية تتيح للطلاب تطوير وعيهم حول تأثيرات التقنيات الناشئة، والتعامل مع الهندسة كعملية لا تتجزأ من عملية التغير الاجتماعي، وتحمل مسؤولية تقدم الحضارة.

العلم هو عملية اكتشاف وإنتاج المعرفة. بالإضافة إلى المشاركة في هذه العملية يتحمل المهندسون مسؤولة إضافبة متمثلة في تطبيق المعرفة الجديدة لإنتاج ما لم يكن معروفاً: تكامل الأفكار المبتكرة، والأجهزة، والنظم لتحقيق التغيير. في الواقع ، تمثل العلوم الهندسية عنصراً حاسماً من أدوات المهندس العقلية ، ولكن كما قال جاي دبليو فوريستر وبشكل واضح في عام 1967، "لقد أصبح المهندس منشغلا بالعلوم مما أدى إلى عدم التركيز على أهداف أكثر أهمية لسد الفجوة بين المقصورات المعزولة... ". وهكذا ، يجب ان تشتمل مهمة المعلمين الفكرية على زراعة القدرة عند كل طالب على جسر الحدود بين التخصصات المختلفة والقيام بالروابط التي تنتج أفكار أعمق. إن التعامل مع تعقيد كثير من المشاكل الهندسية والصناعية والاقتصادية والبيئية والسياسية والاجتماعية تحتاج إلى أفراد ذوي مهارات تقنية وكفاءة مهنية للعمل وفق نهج تكاملي لتحديد المشاكل وخلطها بعناية، والبحث عن حلول بديلة لها ، والمشاركة في تطبيقتها النهائية . وبعبارة أخرى ، هناك حاجة إلى التركيز على إنتاج تعليم شامل للطلاب وخاصة طلاب الجامعيين، وذلك لأن جوهر الهندسة باعتبارها مهنه يكمن في دمج جميع المعارف لغرض معين.

التعليم الهندسي الجديد:
يعتقد الكثيرون أن النهج الحالي للتعليم الهندسي غير ملائم ويقود الطلاب بعيداً ، لا سيما في السنوات الأولى. ملاحظة : "نقول للطالب المقبول لدراسة الهندسة، لقد درست الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية في المدرسة الثانوية وحصلت على القبول في كليتنا. الآن ستقوم بدراسة الموضوعات نفسها لمدة عام أو عاميين آخريين ؛ حتى يمكنك دراسة الهندسة.

المناهج الحالية لدراسة الهندسة تتطلب من الطلاب للتعلم في مجالات غير متصلة، ومقررات منفصلة لا توضح العلاقة بين بعضها بعضاً وعلاقتها بالهندسة إلا في وقت متأخر من فترة التعليم لدرجة البكالريوس. مما يجعل التعليم في مجال الهندسة يكون من أسفل إلى أعلى. فعلى سبيل المثال، في المكونات غير الموحدة، على الطالب دراسة الرياضيات والعلوم قبل "السماح" له بتأطير مشكلة هندسية، ويترك لوحده المضي قدما لبناء أي شيء. الشكل 1 يوضح هذا النظام التعليم الهندسي التقليدي، حيث يقدم التحديات للطلاب من خلال عدد بسيط من المرشحات كما هو موضح قي الشكل، وتمثل نوعا ً من عملية "المضايقات" على النقيض من التركيز على تطوير الإمكانات البشرية.

بالإضاف إلى ذلك، عادة ما يوصف التعليم الهندسي بمناهج دراسية مصممة لدراسة مجموعة من المواضيع يكون المهندس في "حاجة إلى معرفتها" ، مما يؤدي إلى استنتاج أن التعليم الهندسي هو عبارة عن مجموعة من المقررات. قد يكون محتوى هذه المقررات ذات قيمة عملية ومهنية ولكن هذا الشكل من التعليم الهندسي يتجاهل الحاجة للترابط والتكامل، والتي ينبغي أن تكون في صميم التعليم الهندسي.

إن التطور في محاكاة تخطيطات الحاسوب وتوفر قواعد المعلومات الواسعة وانتشار الرياضيات الرمزية مباشرة على شبكات المعلومات، يجعل من الممكن البدء في دراسة المواضيع الهندسة في السنة الأولى، وذلك قبل وقت طويل من إتقان الطالب العلوم الأساسية والرياضيات والتي تعتبر ضرورية لدراسة الهندسة. الشكل 2 يوضح أسلوب التعليم الهندسي هذا. وبهذا الأسلوب سيتعلم الطلاب أسلوب تحديد المشاكل، والنظر في الحلول البديلة، وينال قسطا من الخبرة في الإثارة والإحباط الناجمة عن التصميم الإبداعي، ومحدودية المعرفة، والانفتاح في إنتاج منتج أو نظام جديد.

وبهذه الطريقة سيكون لدى الدارسين الدافع لتعلَّم العلوم والرياضيات "الضرورية" "فقط في الوقت" الذي يحتاجون فيه لهذه المعرفة للاستفادة منها لفهم أساسيات هندسية. كما تتيح هذه الطريقة الربط بين الهندسة ، والفيزياء، والكيمياء وأساسيات علوم الحياة وغيرها من العلوم الانسانية والإجتماعية الداعمة في سياق تدريس جوهر الهندسة الأساسي. إن متابعة نموا مقدرات طالب لتحقيق النجاح في دراسته، كما هو موضح (الشكل 2) ، سيكون أكثر جدية وفعالية.

أصبحت اليوم محطات الحاسوب التخطيطية وبرامج التصميم المرتبطة بها من الضرورات التي تساعد على تطور التعليم "من أعلى إلى أسفل" أو "في خط الهجوم" أو "فقط في الوقت المناسب" أو "حسب الحاجة". ومن المتوقع في المستقبل القريب أن تكون برامج الحاسوب الموجهة للتخطيط هي نفس البرامج التي سيستخدمها الطلاب في وقت لاحق عندما يلتحق بالصناعة أو برامج الدراسات العليا. مما يجعل تطوير الهندسة كفرع متكامل أكثر مباشر على أساس استخدام المحطات التخطيطية كأداة تكاملية.

تقنيات الإتصال والمعلومات والتنمية الإقتصادية والإجتماعية

تمثل تقنيات الإتصال والمعلومات عنصراً أساسياً فى تسريع وتيرة التنمية الإقتصادية والإجتماعية فى كل المجتمات، وتعتبر من البنيات الأساسية. ويهدف تصميم نظم الإتصالات والمعلومات الإلكترونية الى توصيل الخدمات إلى أكبر قطاع ممكن من المجتمع فى المدن والأرياف وبأقل تكلفة ممكنة. ويتحقق ذلك باستخدام أساليب تمكن من مشاركة المستخدميين فى العناصر المختلفة لهذه النظم حتى يحسن أستخدامها والإستفادة منها إلى أقصى حد ممكن بالإضافة الى عدم إحتكار تقديم الخدمات لجهات معينة. تمثل التقنيات الحديثة وعدم إحتكار تقديم الخدمات العناصر الأساسية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لنظم الإتصال والمعلومات فى عصرنا الحالى، وذلك لتمكينها من المساهمة الفعالة فى تحقيق التنمية.

تتطورت تقنيات الإتصال والمعلومات عبر التاريخ من أساليب بدائية مثل أستخدام الطبول والدخان الى الأساليب الإلكترونية الرقمية الحديثة فى العصر الحالى. أن التطور الذى حدث منذ منتصف القرن الماضى أدى الى تقليل تكلفة أستخدام هذه التقنيات ألى حد سمح بتوفيرها للجميع وباسعار مقبولة. تتوفرت كثير من التقنيات الحديثة مثل التقنيات الرادوية وتقنيات الكوابل الضوئية التى تمتاز بالكفاءة العالية والتكلفة المنخفضة، وأصبحت كثير من هذه التقنيات فى متناول يد الدول النامية، حيث تم إستخدامها بكثافة لتطوير نظم الإتصال والمعلومات فى كثر من هذه الدول وخاصة فى أمريكا الجنوبية وأسيا ,اخيراً الدول الإفريقية.

رغم المجهود الكبير الذى قامت به الشركة السودانية للأتصالات لتطوير خدمات الإتصالات والمعلومات بالبلاد، فمازال هذا القطاع متخلفا ولايقوم بالدور المناط به فى تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية بالبلاد. ومقارنة بالدول الإفريقية، والتى تعتبر أكثر دول العالم تخلفا فى مجال الآتصالات والمعلومات، نجد ان مستوى الخدمات فى السودان متواضعا، فمثلا يوجد بالسودان 2.7 خط هاتف لكل 100 الف مواطن مقارنة مع حوالى 12 خط هاتف فى كل مصر وتونس وحوالى عشرة خطوط فى جنوب أفريقيا. ويعذى اسباب تخلف قطاع الاتصالات والمعلومات بالسودان الى التقنيات المستخدمة وخاصة فى شبكات الوصول (ربط المستخدم بشبكات التبديل والتوجيه)، حيث يعتمد هذا القطاع من الشبكة بصورة رئيسة على النتقنيات النحاسية، التى لاتساعد على تفليل تكلفة الخدمة وتحسيين مستواها. بالإضافة إلى مساحة البلاد الكبيرة التى لا يمكن ان تقدم شركة واحدة للخدمة لكل أرجاء البلاد بفعالية ومستوى متقدم,

أن نجاح إى خطة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية بالبلاد يعتمد بدرجة كبيرة على تحديث وتطوير قطاع الإتصالات والمعلومات وذلك باستخدام تقنبات حديثة تساهم فى تقليل التكلفة وتوفير الخدمات لكل قطاعات المجتمع. ولتحقيق ذلك لابد من المنافسة وتقديم الخدمات بواسطة شركات غير حكومية متعددة. فمن الضرورى الأستفادة من التقنيات الحديثة فى التوصيل والتوجيه والتبديل والربط على كافة مستويات الشبكة، ولابد من توفير الاجهزة الطرفية مثل الحواسيب للمستخدمين بأسعار رخيصة، وتوصيل الخدمات للمناطق النائية التى لاتمثل مناطق ربح تجارى. كل هذه العتاصر مجتمعة لابد من الإهتمام بها لتفعيل قطاع الالأتصال وتحويله من خدمات كمالية، الى عنصر أساسى وفعال فى تحقيق التنمية والتطور، الذى لا يمكن أن يتحقق دون أساليب إتصال فعالة، هناك علاقة جدلية بين التطور الإجتماعى وتطور وسائط الإتصال يتأثر كل منهما بالأخر سلباً وإيجاباً.

النفايات الإلكترونية: مهدد بيئي وصحي

مقدمة:
تعتبر صناعة الأجهزة والمعدات الإلكترونية من أسرع الصناعات نمواً في عالمنا المعاصر. تطورت الصناعات الإلكترونية بقفزات كبيرة في العقود الماضية نتيجة للتطور في صناعة شبه الموصلات والنبائط والدوائر الإلكترونية والبرمجيات. شملت صناعة الإلكترونيات تطبيقات عديدة ومختلفة وانتجت أجهزة إلكترونية حديثة للاستخدام في مجالات مختلفة سواء في المنازل أو المصانع أو المكاتب وغيره. فمثلا أجهزة الاتصال والمعلومات المستخدمة في الأنشطة المنزلية ، الخدمية ، المؤسسية ، الصناعية ، الترفيهية تشتمل على الحواسيب ومجسمات الصوت وماكينات الفاكس والتصوير و أجهزة التسجيل و التليفزيونات و التليفونات ومستلزماتها. أن تقنيات الصناعات الإلكترونية معقدة و تحتوي على مواد سامة ولها فترة إنتاجية قصيرة، تخضع لتغييرات و تحويلات سريعة.

يقترن انتشار صناعة الأجهزة الإلكترونية ونموها بتحدٍّ بيئي متزايد يتمثل في الإدارة السليمة لهذه المعدات عند نهاية صلاحيتها. لا يوجد تعريف واحد متفق عليه "للنفايات الإلكترونية"، وعادة يستخدم هذا التعبير للإشارة إلى المنتجات الإلكترونية غير المرغوب فيها أو غير المفيدة أو التي لا يمكن استخدامها مثل ألحواسيب وملحقاتها ,أجهرة الهاتف النقال والمسجلات. وتشير بعض الدراسات إلى إنتاج ما يزيد عن 50 مليون طن سنويا من النفايات الإلكترونية على نطاق العالم، فمثلا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يتخلص من حوالي 30 مليون حاسوب سنويا، وتتخلص الدول الأوربية من حوالي 100 مليون جهاز هاتف متنقل سنويا. وتعتبر نفايات المعدات الإلكترونية المكوّن الأسرع تزايداً بين نفايات البلديات في كل أرجاء العالم. فمن الواضح أن الإدارة السليمة للنفايات الإلكترونية فسوف تكتسب أهمية بالغة مع التقدم التقني والتزايد الكبير في طلبات المستهلكين على المعدات والأجهزة الإلكترونية الجديدة والمتقدمة.

النفايات الإلكترونية:
تمثل النفايات الإلكترونية نسبة صغيرة قد لا تزيد عن 2% من إجمالي المخلفات بأي دولة. تكمن مخاطر النفايات الإلكترونية على احتوائها مواد سامة مثل الزئبق والرصاص و البروم والكادميوم وغاز الكلورين السام ومواد أخرى مثل الزجاج والبلاستيك والكربون الصلب التي يصعب التخلص منها أو إمكانية إعادة تصنيعها مما يجعل هذه الأجهزة مصدراً دائماً لتلوث البيئة. تكون هذه المواد الكم الأكبر من محتويات النفايات الإلكترونية. وعند احتراق النفايات الإلكترونية ينبعث غاز البرومين والذي يعتبر أيضاً من المهددات للصحة وللبيئة. عامة تتمثل خطورة النفايات الإلكترونية في أنها تحتوي على أكثر من 1000 مادة مختلفة، الكثير منها ذات مكونات سامة. فمثلا أن صناعة الأجهزة الإلكترونية تستحوذ على نحو 24% من الاستهلاك العالمي للزئبق. إن تواجد هذه المواد بكميات صغيرة في النفايات الإلكترونية تجعل عملية فصلها بالطرق التقليدية غير ذات جدوى، وعلى الجانب الآخر ، تحتوى هذه المخلفات على مواد خام ذات قيمة ، منها كثير من العناصر النادرة ، مما حذا ببعض الدول إلى بذل الكثير من الجهود في مجال إعادة التدوير والاسترجاع والاستخدام.

تتكاثر النفايات الإلكترونية بشكل متزايد وذلك بسبب ارتفاع معدل التقنية المستمر والنزعة العامة لامتلاك كل ما هو مطَّور وجديد, وأصبح من النادر جداً إعادة صيانة الأدوات المعطلة وذلك بسبب سهولة الحصول على البديل الأفضل والجديد. وتعد الولايات المتحدة أكبر قوة شرائية للأجهزة الإلكرونية ويعتبر شعبها أكبر الشعوب امتلاكاً للأجهزة الإلكرونية في العالم وأكثر الشعوب تخلصاً منها. أوضحت دارسة عن عملية تجميع المخلفات الإلكترونية إعادة تصنيعها ليوم واحد أن 50% من الحواسيب التي تم جمعها في ذلك اليوم تعمل بشكل جيد إلا أنها لا توازي آخر تطورات التقنية مما يعني أن التخلص من هذه النفايات ليس مرهوناً بصلاحيتها وحسب.
إن احتواء النفايات الإلكترونية على مواد سامة ومهددة للبيئة جعل عمليات التخلص منها أو إعادة تدويرها تمثل مشكلة في جميع أنجاء العالم. وقد تصنف على إنها أكبر مشكلة نفايات متعاظمة في تاريخ البشرية. لا تكمن المشكلة في كمية وحجم هذه النفايات فقط بل في مكوناتها السامة أيضاً. وأضيفت هذه المشكلة إلى قائمه المشاكل التي تهدد العالم إلى جانب النفايات النووية، وقد زاد الاهتمام بها مؤخرا، حيث عقدت الكثير من المؤتمرات والقمم بشأنها.

إن الحواسيب المستعملة وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية و الأجهزة الكهربائية، وتمثل نفايات إلكترونية خطرة نظرا لما تحتويه من مواد خطرة تتمثل في:






  • الفسفور الذي يتم دهن شاشات الحاسبات به وهى مادة شديدة السمية।




  • الباريوم المستخدم في اللوح الأمامي للشاشة للحماية من الإشعاع।




  • اللدائن من مادة بولي فينيل كلوريد، مضادات اللهب والتي تحد من انتشار الحريق قي خامات البلاستيك।




  • الرصاص المستخدم في الشاشة والذي يقدر بحوالي 2-4 كجم تبعا لحجم الشاشة،




  • الرصاص المستخدم في الدوائر المطبوعة।




  • الكادميوم المستخدم في الدوائر الإلكترونية المتكاملة والمقاومات والمكثفات الموجودة بالأجهزة الكهربائية।



تصدير النفايات ألإلكترونية

علاوة على النمو الذي تحقق في أسواق المعدات والأجهزة الإلكترونية والكهربية، شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة كبيرة في نقل هذه المعدات المستعملة والهالكة عبر الحدود. قد يؤدي التوسع السريع في التجارة الدولية والتحولات الجوهرية في مواقع الأسواق والإنتاج على المستوى العالمي إلى تغيير عمليات نقل المنتجات ومن ثم النفايات الإلكترونية والكهربية مما قد يسفر عن إحدى النتائج التالية:







  • تعريض صحة البشر للخطر وتلوث البيئة عندما تدار النفايات بطريقة غير سليمة نتيجة للمكونات الخطرة في المعدات الإلكترونية؛ أو




  • توفير فرص اقتصادية عندما تجري مناولة النفايات بصورة سليمة نظراً لفرص إعادة استخدام وإصلاح أو تجديد المعدات المستعملة واسترجاع المكونات القيمة من المعدات الهالكة।



تشير التقارير الأكاديمية إن النفايات الإلكترونية التي تتم معالجتها والتخلص منها بأساليب سليمة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي لا تتعدي 25% من النفايات المجمعة في تلك البلاد. وأغلب الظن أن ما تبقي من مخلفات (نفايات) إلكترونية يتم تصديره إلي إفريقيا وأسيا. ان التشريعات المختصة بالنفايات الإلكترونية في كثير من البلدان الصناعية ما زالت تضفي شرعية قانونية علي عمليات تصدير النفايات الإلكترونية تحت تصنيف "أجهزة مستعملة”. غالباً ما تكون المعدات الإلكترونية التي يتم تبادلها تجارياً بوصفها "مستعملة" إما قد عفى عليها الزمن أو غير قابلة للتشغيل، أي أنها نفايات إلكترونية بالفعل. يتم تصدير قدر كبير من هذه النفايات إلى البلدان النامية كالصين والهند ونيجيريا وكينيا، حيث يسبب إحراق النفايات والمعالجة غير الملائمة للمكونات السامة المستخلصة في الغالب باستعمال المطارق، أو محارق الغاز أو اليدين العاريتين مشكلات خطيرة في مجال الصحة والسلامة المهنية والبيئة. ينقل تصدير النفايات الإلكترونية تكاليف التخلص منها على نحو سليم بيئياً من البلدان الصناعية لتقع على كاهل البلدان الفقيرة، والتي لا تملك القدرة في الغالب على إدارة نفايات الرصاص والكادميوم بصورة سليمة بيئياً.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى زيادة كبيرة في انتقال المعدات الإلكترونية المستعملة أو الهالكة عبر الحدود الدولية، ويشمل ذلك الثلاجات وأجهزة التليفزيون والحواسيب الشخصية وما يرتبط بها من أجهزة والهواتف النقالة وذلك لأغراض إزالة القطع المستعملة، ولتجديدها وإعادة استخدامها ولتجهيزها لاسترجاع المواد الخام. يتوقع لعمليات النقل عبر الحدود لهذه السلع أن تزداد زيادة كبيرة مع اطراد زيادة إنتاج واستهلاك المعدات الإلكترونية والكهربية، والتوسع المطرد في الأسواق الناشئة. فقد أظهرت إحصائية أعدتها جهات أكاديمية أمريكية أن الشركات الأمريكية تتخلص مما يقرب من 50 مليون جهاز حاسوب قديم سنوياً عبر تصديرها إلى الصين والهند وباكستان. شهدت هذه البلدان وغيرها بروز صناعة جديدة لتأهيل الحواسيب المتقادمة.

الإجراءات الحكومية في الدول الصناعية
تعتبر الحكومات ألأوروبية والاتحاد الأوربي الأكثر صرامه عالميا في متابعه الشركات والزامها بإعادة تدوير منتجاتها. فقد أصدرت العديد من الدول منها الولايات ألمتحدة الأمريكية وبريطانيا التشريعات التي تحدد وتعاقب المسي إلى البيئة و اجبار المواطنين على فرز نفاياتهم أثناء وضعها كلا حسب نوع هذه النفايات لكي يسهلون الأمر على الشركات التي تقوم بإعادة التدوير. بذلت الكثير من البلدان المتقدمة جهوداً كبيرة لتشديد الضوابط على طرق التخلص المقبولة وتطبيق عمليات لاسترجاع المكونات القيمة، واستخدام الممارسات الآمنة للتعامل مع المكونات الخطرة في النفايات الإلكترونية والكهربية مثل الكاديوم والرصاص والبروم ومركبات الكربون الكلورية فلورية، وكابحات اللهب العاملة بالبرومين، والزئبق والنيكل وبعض المركبات العضوية، ما زال هناك الكثير من الصعوبات.

ظهرت العديد من الجمعيات وجماعات الضغط التي تمثل المستهلك حول العالم وخاصة في الدول الصناعية لمواجهه ظاهره النفايات الإلكترونية. أثمرت هذه الضغوط بان بدأت شركات كبرى مثل نوكيا و سوني التي تنتج ملايين أجهزه الهاتف النقال بالمساعدة في حل هذه المشكلة، وتهربت الشركات الكبرى في مجال الكمبيوتر كمايكروسوفت و اتش بي وديل من هذه الجهود.


النفايات الإلكترونية في الدول النامية
تواجه الكثير من البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقال صعوبة في الإدارة السليمة للحجم المتزايد من النفايات الإلكترونية والكهربية وإدارتها بطريقة لا تؤثر على صحة البشر أو البيئة. في أعلب الأحيان لا يتوافر بهذه البلدان نظم لإدارة النفايات الإلكترونية. إن نقص البنية الأساسية الضرورية للتخلص من النفايات الإلكترونية سلميا في كثير من الدول النامية وعدم إدراك المواطنيين في هذه الدول بخطورة هذه النفايات، كلها عوامل تؤدي إلى عدم التعامل مع هذه النفايات بصورة آمنة، مثل دفنها أو ترميدها في الخلاء أو إغراقها في مياه الصرف الصحي والأنهار.

بالإضافة إلى ذلك تنتج كثير من البلدان النامية الكثير من المعدات الإلكترونية أو الكهربية مما يؤدي إلى تراكم النفايات الإلكترونية والكهربية المنتجة والمستخدمة محلياً. إن عمليات التصدير والاستيراد المتعلقة بالنفايات الإلكترونية والكهربية تؤدي في الكثير من الأحيان إلى حدوث التلوث البيئي بأشكاله المختلفة و التأثيرات على صحة البشر، و فقد الموارد الثمينة و الاتجار غير القانوني وغير الواعي. عمليات تفكيك وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية غير النظامية في البلدان النامية تشكل ما يسمى بأنشطة "الباب الخلفي"، حيث يتم تجميع الأسلاك وحرقها في أكوام مفتوحة لاسترجاع النحاس، وتعالج ألواح الدوائر في حمامات الأحماض المفتوحة بالقرب من مجاري المياه لاستخلاص النحاس والمعادن الثمينة الأخرى، و أشغال النيران في أكوام الحواسيب عديمة الفائدة لخفض أحجامها مما يؤدي إلى انبعاث أدخنة سامة. ويعد الاتجار في المخلفات الإلكترونية بمثابة تصديرٍ للأذى. إن الحريق المفتوح لهذه النفايات وأنهار الأحماض والمكونات السامة التي تمر عبر مركبات هذه النفايات تعد من أهم الملوثات للأرض والهواء والماء ومجلبة لكثير من الأمراض التي يواجهها رجال ونساء وأطفال الدول النامية. إن الثمن الصحي والاقتصادي لهذه الممارسات باهظ جداً عند مقارنة أذى هذه الصناعة بنفعها.

تعتبر القارة الأفريقية أكبر مستقبل للنفايات الإلكترونية التي تشتمل على أجهزة منتهية الصلاحية وغير مفيدة، يأتي أكثرها عبر التبرعات والإعانات من الدول المتقدمة والتي قد تقدم بحسن نية ويستغلها الوسطاء لتصدير كثير من النفايات عبر التبرعات بقصد التخلص من النفايات الإلكترونية. كما يصدر جزء مقدر من هذه النفايات عبر التجارة غير النزيهية بالشراكة بين تجار محليين ووكلاء أجانب. اتسعت التجارة المحلية في النفايات الإلكترونية (الأجهزة المستعملة) في أفريفيا بصورة كبيرة وخاصة في غرب إفريقيا. وشملت بصورة أساسية الحواسيب والتي تستورد من الدول الصناعية. تعتبر الحواسيب المستعملة حلاً ملائماً لفئات معينة من المستهلكين في تلك البلاد بسبب إمكانياتهم الاقتصادية البسيطة والمحدودة، التي تمنعهم من شراء الأجهزة الجديدة. يقوم بعض التجار باستيراد هذه الأجهزة ويكون بعضها صالحا للاستخدام والبعض الآخر غير صالح وهنا تكمن المشكلة. حيث يتم التخلص من الأجهزة التالفة بالحرق أو الدفن في مناطق زراعية أو صحراوية أو بطرق أخرى غير سلمية بيئيا، مما ينتج عنها أحظار كبيرة بسبب تسرب بعض المواد الكيماوية الضارة والسامة التي تدخل في تصنيع الحاسوب وتتصاعد الأبخرة المسرطنة وتلوث الهواء أثناء عمليات الحرق لباقي مكونات الحاسوب، وكثير من هذه الدول الأفريقية لا تمتلك الآليات الضرورية للتعامل مع هذه النفايات الإلكترونية. هناك بعض المبادرات في كل من نيجيريا، وكينيا، وأوغندا، وغانا للتعامل مع النفايات الإلكترونية. إن التعامل مع النفايات الإلكترونية ليس أحسن حالا في البلدان العربية، فهناك مبادرات محدودة في بعض الدول قائمة على الشراكة بين القطاع الحكومي والمنظمات غير الحكومية، لا توجد مشاريع أو مبادرات للتخلص من النفايات الإلكترونية بصورة سليمة في البلاد العربية التالية: ليبيا، والسودان، والصومال، وجزر القمر، وسوريا، والعراق، وفلسطين، وعمان، وقطر، وموريتانيا.

إن الاجراءات الحكومية والصناعية التي اتخذت لمواجهة هذه المخاطر على مستوى العالم تعتبر متواضعة مقارنة بحجم التهديد. تظهر تقارير عالمية وأممية قصور التشريعات في الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص بجانب الدول الاقتصادية الكبرى الأخرى في تعاملها مع هذه المشكلة رغم أنها تسهم بقدر كبير في تصدير هذه النفايات إلى الدول النامية.

اتفاقية بازل
تعتبر اتفاقية بازل البروتوكول العالمي الوحيد الساري الذي يراقب عمليات نقل النفايات الإلكترونية والكهربية الخطرة عبر الحدود. حيث توفر قاعدة عالمية لإدارة هذه النفايات بطريقة تحمي صحة البشر والبيئة. إن التنفيذ الفعال لهذه الاتفاقية يوفر آلية لمنع ومكافحة الاتجار غير المشروع بالنفايات الإلكترونية والكهربية.يكمن وراء أحكام اتفاقية بازل مبدأ الإدارة السليمة بيئياً ويشتمل على إجراءات على جميع مستويات هيكل النفايات بما في ذلك الحد من انتاج النفايات وتصديرها وتقديم المساعدة للدول النامية والدول ذات الاقتصاد المتغير. توفر اتفاقية بازل إطاراً فريداً للتعاون الدولي، وقوة دفع أساسية لتحقيق تكافؤ الفرص فيما بين البلدان بشأن إدارة النفايات الإلكترونية. القواعد المتفرقة والمتطلبات المتباينة تجعل من المتعذر على الصناعة والمنتجين العاملين في السوق العالمية العمل في هذا المجال.

تم التصديق على اتفاقية بازل في 22 مارس عام 1989 كرد فعل للإنتاج العالمي السنوي لمئات الملايين من أطنان النفايات الخطرة على صحة الإنسان والبيئة والحاجة الماسة للتدابير الدولية اللازمة للتعامل مع نقل هذه النفايات عبر الحدود ولضمان إدارتها والتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً. دخلت اتفاقية بازل الخاصة بالتحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود حيز النفاذ في مايو 1992. وتضم الآن 163 من الأطراف. انضم السودان للاتفاقية في يناير 2006. وفى ديسمبر عام 1999 تم التصديق على بروتوكول بازل الخاص بإمكانية التعويض عن الخسائر الناتجة عن نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها. و يتناول هذا البروتوكول الخسائر التي قد تنتج خلال عمليات نقل النفايات الخطرة وغيرها عبر الحدود ويشمل ذلك الاتجار غير المشروع وطرق التخلص منها. ويشمل البروتوكول نظام مسئولية صارم على من يقوم بالإبلاغ وضرورة عمل إجراءات للوقاية وحق الاستنجاد بشخص ملزم قانونيا ووضع حدود مادية وزمنية للمسئولية مع ضمانات تأمينية ومادية أخرى وآليات مادية لتعويض الخسائر. ولم يتم وضع هذه النقاط في حيز النفاذ بعد. ونجحت اتفاقية بازل في العقد الأول من عملها، في إرساء نظام عالمي فعال ينظم نقل النفايات الخطرة وغيرها من النفايات عبر الحدود. كما ساهمت في زيادة الوعي العام بهذه القضية الحرجة، وشكلت مبادرات إقليمية قوية لتسهيل التنفيذ الوطني، إلى جانب تطوير الجوانب التقنية والمبادئ التوجيهية من أجل الإدارة السليمة بيئيا للنفايات الخطرة وغيرها من النفايات.

تصنف النفايات الإلكترونية في اتفاقية بازل في المداخل ألف 1150، وألف 1180 وألف 2010 من الملحق الثالث والمدخل باء 1110 من الملحق التاسع. وتوصف هذه النفايات بأنها نفايات خطرة بموجب الاتفاقية عندما تحتوي على مكونات مثل :







  • المركمات والبطاريات الأخرى،




  • بدالات الزئبق والزجاج من مصابيح الأشعة المهبطية وغير ذلك من الزجاج المنشط ।




  • مكثفات ثنائي الفينيل متعدد الكلور أو عندما تكون ملوثة بالكاديوم والزئبق والرصاص أو ثنائي الفينيل متعدد الكلور।




  • رماد المعادن النفيسة الناجم عن ترميد لوحات الدائرة المطبوعة، ونفايات الزجاج من مصابيح الأشعة المهبطية وغيره من الزجاج النشط نفايات خطرة أيضا.



إدارة النفايات الإلكترونية

يتمثل التحدي الأساسي في إدارة النفايات الإلكترونية في آلاف الملايين من الأجهزة الإلكترونية المتقادمة على المستوى العالمي، ولا تجري إعادة تدوير سوى على جزء طفيف منها من خلال خطط الجمع والاسترجاع. ويجري تخزين غالبية هذه المعدات المتقادمة والتخلص منها مع النفايات المنزلية أو حرقها في الخلاء. يصدر جزء كبير من النفايات الإلكترونية والكهربية التي جمعت (ليس فقط من أجل إعادة التدوير) إلى بلدان لا يجري فيها تفكيك واسترجاع المواد في ظل ظروف آمنة مما يؤدي إلى تسمم السكان وتلوث التربة والهواء والمياه.

تحدى آخر يقابل عمليات إدارة النفايات الإلكترونية، يتمثل في نقص البيانات العلمية عن التأثيرات الصحية للتعرض للمواد الخطرة في النفايات الإلكترونية والكهربية، عدم توافر معلومات كافية عن الحجم والطابع الفعلي للمخاطر البيئية المرتبطة بممارسات إعادة التدوير غير النظامية. فهذه البيانات أساسية للمساعدة في تحديد الوضع الراهن والاتجاهات إلا أنها في كثير من الأحيان إما منعدمة أو غير كاملة. توجد ثغرات كبيرة في البيانات المتعلقة بكمية النفايات الإلكترونية والكهربية المتولدة في أنحاء العالم وعن عمليات تصديرها أو استيرادها وخاصة مع مراعاة أن التدفقات التجارية للمواد الخام الثانوية والمنتجات الفرعية أو المعدات المستعملة لا تظهر بالضرورة في الإحصاءات المتعلقة بالنفايات.

تتطلب الإدارة السليمة للنفايات الإلكترونية والكهربية ما يلي:








  • إطار تشريعي ملائم؛




  • سياسات للتنمية المستدامة تشتمل على سياسات بشأن جمع وإعادة تدوير واسترجاع النفايات الإلكترونية والكهربية، وتعالج كذلك عمليات نقل هذه النفايات عبر الحدود؛




  • تقديم حوافز اقتصادية للممارسات والتقنية السليمة بيئيا؛




  • وضع مستويات أو معايير للإدارة السليمة بيئياً فيما يتعلق بإعادة تدوير النفايات الإلكترونية والتخلص النهائي منها؛




  • إجراء لمنع الاتجار غير المشروع؛




  • توعية الجمهور العام؛




  • الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لإشراك جميع أصحاب المصلحة؛





خاتمة:
أن السودان ليس بمأمن من خطر النفايات الإلكترونية والكهربائية سواء التي ناتجة من التخلص من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية المستخدمة من قبل المواطنين بالداخل أو الأجهزة التي تصدر من الخارج شأنه شأن كثير من البلدان النامية في أفريفيا واسيا. فمن الضروري وضع الضوابط والتشريعات للتعامل مع هذه المشكلة مبكراً وتوفير الأساليب العلمية والتقنية السلمية بيئيا لمعالجة وتدوير المخلفات (النفايات) الإلكترونية ونشر الوعي بخطورة النفايات الإلكترونية ومهدداتها البيئية والصحية، قبل أن تمثل خطراً وبيئياًا وصحيا على البلاد والمواطنين.

تحديات تطوير صناعة المعلومات والإتصالات بالسودان

شهدت السنوات الآخيرة من القرن الماضى والأولى من هذا القرن ضخ أموال طائلة فى شركات إلإنترنت والإتصالات لتحقيق أرباحا سريعة. نتج من هذا لآمر نمو غير طبيعى لهذه الصناعة دون أعتبار للسوق الفعلى المتاح ونضوج الصناعات المرتبطة بهذا القطاع. ويشهد العالم الأن أنخفاضا فى نسبة النمو فى صناعة المعلومات والإتصال. لم يدخل السودان صناعة المعلومات والإتصال فى ذلك الوقت الذى كان يتسابق فيه أصحاب الأموال للإستثمار فى هذا القطاع، وأحجم رأس المال الوطنى عن ألإستثمار فى هذا القطاع للعديد من الأسباب الساسية والإقٌتصادية. من المستبعد أن يندفع أصحاب الأموال للإستثمار فى صناعة المعلومات والأتصال كما تم خلال السنوات العشر الماضية، وسيتم الإستثمار فى هذا القطاع بشكل محافظ مع التركيز على الشركات الرائدة. فى ظل هذا الوضع يستبعد تحقيق التطور فى مجال صناعة المعلومات والإتصال أعتماداً على رأس المال المخاطر، لابد من التفكير فى أسلوب غير تقليدى لتطوير هذا القطاع فى السودان، وتبنى أستراتيجية جديدة والقيام بمجهودات أضافية لتحقيق النمو فى هذا القطاع بالبلاد.

هناك كثير من العوامل أدت الى تخلف السودان عن ركب التطور فى تقانة المعلومات والإتصال تتمثل فى التعليم والإستثمار وشبكات الإتصالات.

أن التعليم فى السودان غير قادر على التطور والمناورة بمعزل من الدعم والتمويل الحكومى، ولايمكن له ان يبتعد عن بيروقراطيتها، رغم ذلك كان قصور هذا القطاع واضحاً فى التعامل مؤشرات النمو فى صناعة المعلومات والإتصال، كما لم يتمكن من إعّداد الكوادر المؤهلة فى مجالات تقانة المعلومات والإتصالات والإعلام وتحديث أهداف ومحتويات المناهج التعليمة لتحقيق هذا الهدف. لم يقوم هذا القطاع بأى مبادرات لتطوير وتجديد معرفة الكوادر والخبرات الموجودة حتى تستطيع مواجهة تحديات تقانة المعلومات والإتصال والتعامل معها بكفاءة عالية. نتج من هذا نقصا كبيرا فى الكوادر المؤهلة والقادرة على التعامل مع التقنيات بكفاءة ومقدرة عالية. وكثير من المناهج التى تدرس فى جامعاتنا الان لن تستطيع تأهيل الكوادر المطلوبة وذلك لضعف الجانب العملى والذى يمثل مكون رئيسا وهاما لإعداد الدراسيين فى مجالات المعلومات والإتصال، بالإضافة إلى النقص الكبير فى الأساتذة الموهليين فى هذا المجال.

لم تشجع السياسات المالية توفير التمويل اللازم لقطاع المعلومات والإتصال وذلك لإلتزامها بأقصى درجات المحافظة، وتقيد المستثمريين بخيارات محدودة من أساليب التمويل، بينما كان متاحا فى الغرب مجموعة كبيرة من أساليب التمويل بدءا من رأس المال المخاطر وأنتهاء بطرح الأسهم للجمهور فى أسواق المال.

ساهم تخلف شبكات الإتصالات فى تخلف صناعة المعلومات والإتصا بالبلاد، وذلك بالتمسك حتى وقت قريب بإحتكار شركات محدوة لتقديم خدمات الإتصالات. ورغم التوسع فى دوائر الأتصال عالمياً وانخفاض الأسعار فمازالت الخدمات التى تقدم فى البلاد بطيئة ومرتفعة الثمن ومنخفضة الجودة.

هناك كثير من العوامل الممتداخلة التى توثر على تطور صناعة المعلومات والإتصال، إلا أن قطاعات التعليم وألإستثمار وشبكات الأتصالات تمثل العناصر الأساسية والرئيسة التى توثر بشكل كبير وفعال على تطور أى صناعة لتقانة المعلومات بالبلاد، وكل العوامل الأخرى تعتمد على هذه العوامل الرئيسة ولاتعمل بمعزل عنها.

العنف المعلوماتى

خلال القرن الماضى شهد العالم تطوراً كبيراً فى تقنيات مختلفة، أثرت بصورة كبيرة على الثقافات فى كل بلادالعالم المتقدمة والنامية. تمثل هذا التطور فى عدد من "الثورات" الممتالية التى أحدث تغيرات نوعية فى مجالات الحياة المختلفة. شهد القرن العشرين أربع تتطورات فى أربع مجالات هامة وهى: الميكانيكا الكمية التى أعطت وصفا كاملا ومفصلا للمادة وتقانة المعلومات والإتصال والتى بدأت بإكتشاف الترانسستر فى العام 1948 وصلت اليوم إلى شبكة المعلومات الدولية وطرق المعلومات السريعة. وتقانة البيوجزئية والتى مكنت بناء البنية الذرية لجزئ د.ن.أ الذى مكن من قراءة الشفرة الوراثية للحياة. والفهم عميق للعقل الإنسانى والسيطرة عليه والذى ادى إلى وجود أساليب فعالة للتحكم فى سلوك الإنسان ومشاعره وذكائه، أستنادا على العمليات المادية التى تحدث فى مناطق المخ وأعضاء الحس المختلفة مصاحبة للأهواء والإنفعالات والأحاسيس. وتعتبر هذه التقنيات والأساليب من أعظم أنجازات الجنس البشرى على الإطلاق.

أن التطور الذى حدث فى تقانة المعلومات والإتصال ليس له نظير فى أى صناعة أخرى على مدى تاريخ البشرية، من حيث مدى وسرعة الإنتشار والتأثير على نوعية الحياة وثقافات المجتمعات. أن تقانة المعلومات تقانة نظيفة ومحافظة على البيئة، وتوفر كثير من الأساليب التى يمكن قد تخلص الإنسان من سلطة المؤسسات وتتيح المعرفة للجميع وتطلق القدرات الإبداعية للأفراد وتساعد البشرية للتخلص من أسباب النزاع حتى تنعم بالسلام والمساوة. مثل أى تقنية أخرى لتقانة المعلومات والإتصال سلبياتها والتى تتمثل فى "عنف عصر المعلومات وإرهاب"ه. وإن أختلفت القوى المستخدمة فى هذا العنف من القوى "الصلبة" الى القوى "اللينة" التى تعتمد على الجذب لا على الضغط والترغيب وليسعلى الترهيب ومخاطبة العقول والقبول لكسب الآراء وليس الأرض وتعمل على نزع الإرادة الجماعية بدلا عن نزغ السلاح والملكية. يمتاز استخدام القوى اللينة بالقدرة على المناورة متخطيا حاجز الزمان والمكان. يشمل العنف والمعلوماتى على العنف الرمزى و الإستغلال المعلوماتى، الفجوة الرقمية و إحتلال الفضاء المعلوماتى و التجويع المعرفى وضراوة أجهزة الإعلام والعصف بالعقول وتزيف العقول عن بعد وإحتكار المعرفة والقمع الإيدولوجى. يمكن تصنيف العنف المعلوماتى وأرهابة تحت ثلاثة محاور رئيسة وهى عنف ضد الأفراد وعنف ضد المؤسسات وعنف ضد الدول.

يتمثل العنف ضد الأفراد فى أن أى يعمل يقوم به الفرد خلال استخدامه لشبكة المعلومات الدولية ومسجل يمكن للأخرين الإطلاع عليه أن توفرت لهم الإمكانات لذلك، مما يمثل إنتهاكا للخصوصية الفردية، وتعرض كثير من الإشخاص للإنتزاز المعلوماتى بعد أن تمكن أخريين من إصياد رسائلهم الإلكترونية وإختراق حلقات الدرششة الخاصة بهم. فمن الصعب المحافظة على الخصوصية فى شبكة المعلومات الدولية!!! أم العنف المعلوماتى ضد المؤسسات يتمثل فى إختراق شبكات إتصالات هذه المؤسسات والنفاذ الى قواعد البيانات التى قج تتضمن المعلومات الحيوية والسرية عن المؤسسة، وهناك أنواع أخرى من العنف يستخدم ضد المؤسسات مثل إسقاط الموقع الإلكترونى للمؤسسة فى شبكة المعلومات الدولية وذلك بإرسال أعداد كبيرة من الرسائل المولدة تلقائيا اليه، والاطلاع على البيانات السرية المتبادلة بين المؤسسة وعملائها. أم الإرهاب والعنف ضد الدولة يتمثل فى إختراق شبكات المرافق العامة والخدمات مما قد يتسبب فى الشلل التام للبنية الاساسية وإحتمال تدميرها بالكامل مما يضر بالمصالح الإقتصادية للدولة.

يتضح من مما تقدم ضرورة تصميم الشبكات ونظم المعلومات للتقليل من مخاطر العنف المعلوماتى وأرهابه، وتقليل التهديدات الإلكترونية وإختراق الشبكات ونظم المعلومات، وبالمقابل لابد من سن تشريعات محلية وأقليمية ودولية مستحدثة لحماية الأفراد والمؤسسات والدول من العنف والإرهاب المعلوماتى.

تطوير وطوتين تقانة المعلومات والإتصالات

منذ منتصف القرن الماضى شهدت البشرية تطوراً كبيراً فى صناعات تقانة المعلومات والاتصال فمنذ إكتشاف الترانسستر فى خمسنيات العام الماضى، أصبحت تقنيات ونبائط شبه الموصلات تمثل عنصراً اساسياً فى تصميم وتصنيع النظم الإكترونية المختلفة. وتتطورت صناعات تقانة المعلومات والإتصال وشملت تصنيع الرقائق الدقيقية و البرمجيات والحواسيب ونظم المعرفة الإلكترونية. ان تأثير هذه التقانات على الأجهزة يتمثل فى مضاعفة أدائها وسعتها التخزينة وخفض تكلفة إنتاجها الى النصف كل عام.

أن صناعات الرقائق الدقيقة والبرمجيات والحواسيب فى الدول المتقدمة لديها عامل إنتاج كلى أعلى من الصناعات التقليدية، مما جذب كثراً من الإستثمارات لهذه الصناعات. وتساهم صناعات تقانة المعلومات والإتصال بنسبة كبيرة فى الدخل القومى لهذه البلاد، وتتيح فرص كثيرة للعمل، وتمثل عنصراً مهما لزيادة الإنتاج وتحسين الكفاءة فى الصناعات الأخرى مثل الصناعات الأولية وصناعات الخدمات والإنتاج.

مساهمة تقانة المعلومات والإتصال فى التنمية الإجتماعية والإقتصادية ومحاربة الفقر يمكن أن يحدد بدراسة تطور التقانات الاخرى وإنتشارها بصورة عامة وتأثيرها على التنمية الإقتصادية. أن الأنساق المختلفة للتقانة متشابهة فى ألإكتشاف والأنتشار وتأثرها بالسياسات والمؤسسات وأثارها الإستراتيجىة وتوزيع الفائدة. ومن المتفق عليه أن التطور فى التقنيات يساهم فى زيادة الإنتاج، ويمثل الطاقة المحركة للتطور الإقتصادى على المدى البعيد.

رغم تقدير الدول النامية لأهمية صناعة المعلومات والإتصال ودورها، قليل من هذه الدول إستطاعت بناء وتطوير صناعات تقانة المعلومات والإتصال. فمثلا كروستريكا إستطاعت الدفع بإقتصادها بجذب شركة إنتل لصناعة الرقائق الدقيقة. كما تطورت الهند صناعة البرمجيات وتمكنت من تصدير جزء مقدر من إنتاجها، كما طورت صناعة خدمات تقانة المعلومات والإتصال مثل خدمات المكاتب الخلفية لخدمة للمؤسسات الأجنبية والعالمية، كما قامت الصين بمجهودات كبيرة وناجحة فى تطوير صناعات تقانة المعلومات والاتصال. وهناك بعض الأمثلة الأخرى.

كثيراً من الدول النامية من بينها السودان تخلفت من اللحاق بقطار الثورة الصناعية مما ادى الى تخلف نظمها الإقتصادية والاجتماعية. والان تتيح ثورة المعلومات والاتصال فرصة تاريخية لهذه الدول لتطوير نظمها الإقتصادية والاجتماعية. فلابد من العمل الجاد لاستغلال هذه الفرصة، وخاصة ان هذه الصناعات لاتتطلب أستثمارات كبيرة كالصناعات التقليدية. ان عدم الجدية فى تطوير وطوتين صناعات تقانة المعلومات والإتصال فى الدول النامية يمثل كارثة ويعنى ان تظل هذه الدول متخلفة لفترة أطول من الزمن. لتحقيق ذلك لابد من خطط أستراتيجية تقوم فيها الحكومة بدور فعال ومحورى تشتمل على السياسات والمؤسسات والتدريب وتشمل كل القطاعات المختلفة من صناعية وتجارية وثقافية وتعليمية.

تطوير قطاع تقانة المعلومات والإتصال لابد ان يتم على ثلاثة محاور رئيسة وهى:
1. البنيات الأساسية: والتى تشتمل على صناعات الإتصالات (الهاتف والحاسوب والمذياع والتلفزيون) وصناعة الطباعة (الصحف والمجلات والكتب) والبنيات الاساسية المصاحبة لتوزيعها
2. الصناعات: يتم التركيز على الصناعات الموجه للتصدير مثل صناعة البرمجيات، وخدمات تقانة المعلومات، وخدمات المكاتب الخلفية (الحسابات ومعالجة بطاقات الإتمان)، كما يجب تطوير صناعات تقانة المعلومات والإتصال للإستخدام المحلى.
3. استخدام واستغلال تقانة المعلومات والإتصال فى القطاعات الإنتاجية والأنشطة المختلفة للمجتمع والتى تتمثل فى التطبيب عن بعد، والتعليم عن بعد، والتجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية، واستخدمات الاتصال (الهاتف)، وخدمات الانترنت والبريد الإلكترونى، واسائط الإعلام، واستخدام الحاسوب فى الأنشطة التجارية والحكومية المختلفة.

أن تطوير إى من هذه المحاور يتطلب تطوير المحاور الأخرى، فلابد ان يتم التطوير فى كل المحاور فى نفس الوقت. لتحقيق الهدف الاستراتيجى لتنمية المجتمع، لابد ان يستفيد ويشارك فى هذ التطوير كل قطاعات المجتمع، ويتطلب ذلك توسيع المشاركة لتشمل الريف والمناطق النائية، واستخدامات تقنيات تقلل من التكلفة، ووضع السياسات الضرورية لتحقيق ذلك, وتوفير البيئة المناسبة لذلك.

مطلوبات التعليم الهندسي الحديث

مقدمة
يعتبر التعليم و التدريب من الأدوات الرئيسية التي تساهم في تكوين الإنسان و إعداده للعمل. ويهدف النظام التعليمي الجامعي الهندسي إلى توفير فرص التعليم والتعلم للطلاب ونقل المعرفة إليهم وتطوير قدراتهم ومهاراتهم بما يمكنهم من المشاركة بفاعلية في خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد وممارسة مهنة الهندسة بإبداع ومسئولية. مرت طرق وأساليب التعليم و التدريب الهندسي بمراحل مختلفة علي مختلف العصور، إذ انتقلت مهامهما من الأسرة إلي المعلمين الحرفيين، ثم إلي المدارس و المعاهد و الجامعات. وكان ذلك نتيجة لتطور تقنيات ووسائل العمل. قد بدء التعليم والتدريب الهندسي (المهني) منذ زمن بعيد، وذلك بتدريب العمال في مكان العمل على كبفية أداء أعمالهم. ويمثل قانون حامورابي، الذي اهتم بالصناعات اليدوية، أول القواعد و القوانين التي تحكم التدريب الهندسي. أول مدرسة للتعليم الهندسي والفني في العصر الحديث، أنشئت بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1818 "المعهد الميكانيكي لولاية أوهايو" وذلك لتلبية حاجة الملحة للصناعة الأمريكية إلي البرامج التدريبية.

ترتب على الثورة الصناعية تطورات منهجية في الاعمال الهندسية، شملت أساليب و طرق التفكير، و وسائل العمل و الإنتاج. مما تطلب أن تركز البرامج الدراسية الهندسية علي الجوانب المعرفية وتنمية المهارات. فركزت برامج الدراسات الهندسية قبل العام 1950 على التطبيق العملي و التصميم المعتمد على المعاير والمطلوبات المهنية و الاستخدام المحدود للعلوم الرياضية. أعتمدت هذه البرامج على أعضاء هيئة التدريس ذو خبره العملية نظراً للارتباطها القوى مع الصناعة. إن التطور التقني في النصف الثاني العشرين تتطلب إصلاحات في البرامج الدراسية الهندسية. فكان تركيز هذه البرامج في الفترة من 1950 وحتى 1990 على العلوم الهندسية وفهم أساسي للظواهر وتحليلها. واعتمدت برامج التعليم الهندسي في هذه الفترة على أعضاء هيئة التدريس مدربين على البحث العلمي. إن التطور التقني السريع في نهاية القرن العشرين تتطلب أن تركز البرامج الدراسية الهندسية على تطوير المهارات في العمل الجماعي والاتصال والتكامل و التصميم والتصنيع والتحسين المستمر مع المحافظة على تطوير المقدرة التحليلية للدارس.

شهدت الأعوام العشرين الماضية كثيرا من المستجدات المتلاحقة والسريعة في المجالات الهندسية المختلفة وفي مجال تقانة الاتصالات والمعلومات، والتي تحتاج إلى الكثير من الجهد والمتابعة والمثابرة لضمان مواكبتها والتفاعل مع قوانينها والسعي إلى الإفادة منها. ويعتبر الحقل الهندسي من أكثر المجالات عرضة للتقادم وأشدها حاجة للمراجعة والتجديد وذلك بحكم ارتباطه المباشر بالمجال التقني، كما يعتبر أحد القوى الدافعة وراء هذه التغيرات السريعة. إن تطوير وتحديث البرامج الدراسية الهندسية يتطلب إجراء تغييرات منتظمة في هيكل و مناهج و طريق تقديم التعليم لمواكبة متطلبات سوق العمل والمستجدات التقنية. إن المهتم بالتعليم الهندسي بالسودان يلاحظ أن إعادة هيكلة وتحديث المناهج تسير ببطء شديد للغاية، وبوتيرة لا تتوافق مه وتيرة تطور المعرفة والتي تتطلب إلى استمرار إضافة محتوى جديد للبرنامج الدراسية. من هنا تبدو الحاجة إلى مراجعة برامج التعليم الهندسي في السودان في هذا الوقت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. أن برامج التعليم الهندسي الحديثة لابد أن تهتم بالمواضيع التالية:
1. الفرص والتحديات أمام مهنة الهندسة.
2. المتطلبات الجديدة في برامج الهندسة.
3. التقييم الهندسي.

الفرص والتحديات
يجب أن تتعامل برامج التعليم الهندسي في عصرنا الحالي مع كثير من الفرص والتحديات التي تواجه مهنة الهندسة بصورة عامة. وتتلخص التحديات الرئيسة التي تواجه تعليم ومهنة الهندسة في الوقت الحاضر بالآتي:
1. التطور الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات وانتقال المعلومات والذي يتطلب الإلمام بمهارات كثيرة ومتجددة.
2. العولمة وما يتبعها من ضراوة المنافسة العالمية في الحصول على وظائف وتطوير المنتجات.
3. تطور علوم الهندسة الحيوية والوراثية، مما يتطلب اكتساب مهارات جديدة في علوم الحياة ووظائف الأنسجة وغيرها وهي مجالات جديدة على فروع الهندسة التقليدية، كما أنه يطرح قضايا أخلاقية من الصعب الوصول إلى حل واضح حيالها.
4. تغير ظروف العمل كنتيجة للعوامل السابقة مجتمعة والذي يفرض على المهندس أن يكون ذا قاعدة صلبة وعريضة في العلوم الأساسية والعلوم الهندسية.

مواجهة هذه التحديات تتطلب أن تتوفر في التعليم الهندسي الحديث الصفات التالية:
1. تعلم فاعل مبنى على المشروع.
2. تكامل تطوير مفاهيم الرياضيات و العلوم ضمن المحتوى التطبيقي.
3. تفاعل قريب مع الصناعة.
4. استخدام واسع لتقنية المعلومات والاتصال.
5. الاهتمام بجودة التعليم العام وتأثيره كمدخل أساسي للتعليم العالي الهندسي.
6. تكريس جهود أعضاء هيئة التدريس نحو تطوير مهنة الهندسة كناصحين و حكام بدلاً من مصدر لتزويد المعلومات.

رغم التحديات سالفة الذكر، هنالك فرص لا بد من الاستفادة منها لتطوير وتحديث برامج الدراسات الهندسية، وتشتمل هذه الفرص على:
1. أهتمام كل القطاعات المستفيدة من التعليم الهندسي بإعادة تشكيل التعليم العالي الهندسي.
2. المعايير الجديدة للاعتماد الأكاديمي تحتم التغيير.
3. وجود برامج للإبداع و طرق للتدريس الفاعل.
4. توفر الدعم المالي و المعنوي.
5. توفر تقنيات التعليم والتعلم الحديثة كنتيجة لتطوير تقنية المعلومات والاتصال.
6. ازدياد أهمية دور التعليم الهندسي في رفاهية الشعوب.

المطلوبات الجديدة لمهنة الهندسة:
تضع التحديات والفرص أمام مهنة الهندسة مؤسسات التعليم الهندسي أمام مسؤولية كبيرة للارتقاء بقدرات المهندسين، وإعداد خريجين قادرين على الابتكار ومستعدين لتقبل التغيير والمساهمة الفاعلة فيه، وان يكونوا على دراية عميقة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على ممارسة مهنة الهندسة.

لتلبية واستيفاء هذه المطلوبات يجب أن تهتم لبرامج الدراسية الهندسية بالمواضيع التالية:
1. زيادة جرعة التحليل في البرامج الهندسية، ودراسة الأدوات الضرورية للتحليل مثل نظريات الاحتمالات والإحصاء والتحليل العددي وبعض المهارات الرياضية والحاسوب وغيره. حيث أن مهنة الهندسة في عصرنا الحالي تتطلب أن يكون المهندس مساهماً في حل المشكلات وليس فقط مصمماً كما هو الحال في برامج الهندسة التقليدية.
2. الاهتمام بمهارات الاتصال لمكتوبة أو الشفهية في مناهج الهندسة والتدريب العملي. أن همية مهارات الاتصال مساوية أهمية للمهارات الفنية في ممارسة مهنة الهندسة اليوم، وقد تزد عليها في بعض الظروف.
3. غرس مهارات العمل بروح الفريق وبناء الشخصية المتكاملة والتدريب عليها في برامج الهندسة، حيث أصبح عمل المهندس يتطلب في الوقت الحالي العمل جنباً إلى جنب وفي انسجام مع العلماء والإداريين والاقتصاديين وذلك لإيجاد الحلول لبعض المشكلات. وقد يتحقق ذلك عن طريق المشاريع المشتركة بين الطلاب و تنشيط الأندية العلمية والنشاطات اللاصفية.
4. تمكين الدارس من قاعدة الصلبة في العلوم الأساسية والعلوم الهندسية والتي تمثل الأساس لتكامل المعرفة وسعة الافق.
5. تنمية مقدرة الخريج على استيعاب تخصصه والتفاعل مع العلوم الأخرى، إضافة إلى تأهيله لاستيعاب المتغيرات والتي قد تكون سريعة جداً في مجال عمله العلوم الأخري. فقد أصبح من الضرورة على المهندس أن يكون ملماً ببعض العلوم الأخرى مثل نظم المعلومات والإدارة، والاقتصاد وبعض العلوم الاجتماعية والإنسانية. تساعد هذه العلوم المهندس على سعة الأفق وتنمي قدراته على استيعاب المشكلات بإطارها الصحيح وإيجاد الحل الفني المقبول اقتصادياً واجتماعياً.
6. إلمام الخريج بأخلاقيات المهنة، وقيم الاستعداد للمساعدة, والاهتمام بالمحافظة على البيئة, والالتزام بالجودة و الإنتاجية و الضلوع في خدمة الآخرين. ويتطلب ذلك دراسة عدد من مقررات العلوم الإنسانية.
7. استخدام معايير الاعتماد الأكاديمي الحديثة، لتحديث وإصلاح البرامج الدراسية.

ان المعرفة هي بمثابة قاعدة للمعلومات بالنسبة للمهندس. إن حجم المعلومات الذي يتطلب من المهندسين معرفته في ازدياد مضطرد. وقد يحصل المهندسون اليوم على وظائف في حقول ليست هندسية تقليدية لذا على المهندس فهم بعض الأساسيات التي لا تقع ضمن مواد المنهج الهندسي. تمكين الخريج من كل هذه المهارات والمطلوبات لا يمكن تغطيته في منهج دراسي وفي فترة الدراسة المحددة بخمسة سنوات. مما أدى إلى تغير الاهتمام في التعليم الهندسي من العرض البسيط للمعرفة إلى تكامل المعرفة و تطوير المهارات اللازمة للاستخدام الأمثل لها. يمكن تحقيق التوازن بين المهارات المطلوبة ومحدودية فترة الدراسة بالأساليب التالية:

1. الموازنة بين التوسع والتعمق في البرامج، فتهتم البرامج الدراسية بتجسير الفجوة بين الخريج العلوم المختلفة في تخصصه وتمكينه من دراسة ما يحتاجه لاحقاً بعد تخرجه وحسب طبيعة عمله عبر برامج التدريب وإعادة التأهيل المتوفر في الجامعات والشركات وعبر شبكات الإنترنت.
2. المرونة في تصميم البرامج وصياغتها لتستجيب لرغبات الطلاب المختلفة، وذلك بإلغاء المناهج الهندسية التقليدية و استبدالها بمسارات متعددة لتخصصات مختلفة .
3. أن يتم التركيز على المهارات وطرق التحليل وليس المعلومات التي أصبحت الآن في متناول الجميع، ولذا من الممكن تقليص بعض محتويات المقررات التي تغطي الجانب المعلوماتي فقط.
4. زيادة الجرعة التحليلية على حساب الجرعة التصميمية والتي وإن كان ضرورياً بقاؤها في البرامج الهندسية إلا أن الحاجة لها اليوم ليست كالأمس.
5. تغيير الاهتمام من توفير التدريب لتوفير مجموعة رئيسه في أساسيات العلوم و الهندسة التي ستساعد الطلاب في تكامل المعرفة بين المواد و التخصصات و تسليحهم بمهارات التعلم مدى الحياة.

يجب أن تصمم البرامج الدراسية الهندسية لتحقيق مخرجات البرامج التالية:
1. المقدرة على استخدام تقنية المعلومات والاتصال الحديثة و الإلمام باللغات و الحضارات الأجنبية.
2. الاستخدام الأمثل للمصادر و حماية البيئة و الآثار النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية وغيرها.
3. مواكبة متطلبات سوق العمل.
4. الالتزام بالقيم.

التقييم الهندسي
يتطلب الوضع الاقتصادي الحالي والتطورات العالمية في مجالات الهندسة والتقنيات تقييم ومراجعة المناهج الدراسية الهندسية بشكل دوري وبوتيرة أسرع من ذي قبل، نظراً لزيادة المنافسة العالمية والتطور السريع في العلوم والتقنية. لنجاح عمليات التقييم والمراجعة لابد من تحقيق المطلوبات التالية:
1. أن تنبع قناعة التقييم من المؤسسة التعليمية والعاملين بها بأن لا يكون مفروضة عليهم.
2. أن يكون الموقف إيجابياً من التقييم وبهدف التطوير والتحديث. ومن الضروري تقبل نقاط الضعف بصدر رحب والعمل على إصلاحها.
3. الأخذ في الاعتبار وبجدية وبشكل موضوعي أراء الخريجين وأصحاب العمل في القطاعين الخاص والعام عن مستوى البرامج الهندسية وخريجيها والاستفادة من أراءهم في تحسين البرامج الهندسية.
4. أن يكون التقييم مؤسسياً وليس من أفراد.
5. تطوير معايير أداء موضوعية ومن الممكن قياسها حتى تساهم في قياس التحسن الناتج من التطوير. وقد يكون من المفيد الاسترشاد بالمعايير العالمية مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحلية عند تطوير المعايير الخاصة بالمؤسسة التعليمية المعنية.
6. إنشاء وحدة مستقلة لأغراض "التقييم والاعتماد الأكاديمي" .


تحديات المؤسسات التعليمية
إن تحديث البرامج الدراسية الهندسية والنجاح في إعداد خريجين يمتلكون المعارف والمهارات الضرورية لممارسة مهنة الهندسة في عصرنا الحالي يتطلب من المؤسسات التعليمية الاهتمام بالمواضيع التالية:
1. الاهتمام بتطوير مهارات الطلاب للتعلم مدى الحياة و تأهيل المهندسين الذين على رأس العمل.
2. استخدام أساليب التدريس الحديثة مثل التعلم الفاعل, والتعلم التعاوني, والتعلم الذاتي و غيره، لتحسين مستوى مخرجات البرامج التعليمية المعرفية و المهنية.
3. إعادة تعريف إجازات البكالوريوس و الماجستير. وربما تكون شهادة البكالوريوس حالياً غير كافية للتأهيل لسوق العمل.
4. المفاضلة بين تعليم هندسي الموجه للمدى البعيد أو تعليم هندسي مهني الذي يخرج طلاب ذوي مهارات تطبيقية تلبي حاجة الصناعة الآنية.
5. معرفة احتياجات المجتمع من مهارات الريادة و السبل الكفيلة لمقابلة تلك الاحتياجات.
6. توفير الدعم المالي اللازم لمقابلة التحديات التي تواجه التعليم الهندسي. والاستخدام الأمثل لمصادر التمويل. وتحديد الأولويات و إيجاد مصادر تمويل بديلة و متنوعة .


لا تتحقق الغاية من إصلاح البرامج الدراسية الهندسية إلا بمشاركة أعضاء هيئة التدريس، واستيعابهم للفرص والتحديات التي تواجه مهنة الهندسة في عصرنا الحالي، وإلمامهم بصورة واضحة بمخرجات البرامج التعليمية والمهنية. لتحقيق ذلك على المؤسسة التعليمية الاهتمام بالتالي:
1. توفر التدريب و التغذية الراجعة على الأساليب الحديثة في التدريس وتشجيع أعضاء هيئة التدريس على استخدامها.
2. اتخاذ الإجراءات اللازمة لخلق مناخ حيوي و صحي يساعد على التغيير تدريجياً.
3. تفعيل دور عضو هيئة التدريس في التعليم الهندسي الحديث كناصح أو مشرف فقط.
4. تمكين عضو هيئة التدريس من مواكبة التغيرات و المتطلبات الحديثة لمزاولة المهنة.
5. تطوير الأساليب الفاعلة و المبدعة في التدريس.
6. المشاركة في برنامج تطوير مهارات التدريس.

أن تحقيق أهداف وغايات البرامج الهندسية يتطلب استخدام أساليب فاعلة في التدريس متمثلة في:
1. مزاولة الأنشطة الفاعلة التي تساعد في ازدياد المعرفة و المهارات.
2. التوازن المطلوب بين أنماط التدريس المختلفة مثل التدريس المرتكز على المعلم, و المرتكز على الطالب وبين التعلم الفردي و التعاوني.
3. دافعية الطلاب للتعلم الذاتي و تحمل المسؤولية.
4. التغلب على مقاومة التغيير من جانب أعضاء هيئة التدريس.

خاتمة
إن نظام التعليم الهندسي معقد كثيراً و متنوع و بالتالي من الصعوبة إيجاد حل عام. إن سرعة التقدم للتعليم الهندسي سيختلف من مؤسسة تعليمية إلى أخرى و هذا يعزز الإثراء و التنويع في أساليب التعليم المطلوبة.و تشير الدلائل على إن التعليم الهندسي يتوجه نحو مستقبل غني بالمعلومات و متمركز على الطالب و يمتد فيه التعلم إلى ما بعد التخرج. ومن الواضح أن أساليب التدريس التقليدية ليست كافية لتسليح خريجي الهندسة بالمعرفة, و المهارات و السلوك و القيم اللازمة لمواجهة متطلبات القرن الحالي. ولابد من استخدام أساليب التدريس البديلة و التي تم اختبارها أثبتت كفائتها و لها قابلية عالية لتحقيق الأهداف المنشودة.