الخميس، 17 أبريل 2025

تحديات التعليم العام والعالي في السودان

مقدمة

منذ نيل السودان استقلاله عام 1956، ظل التعليم يمثل ركيزة أساسية في طموحات بناء الدولة الحديثة. إلا أن مسيرة التعليم، بشقيه العام والعالي، واجهت سلسلة من التحديات المركبة التي حالت دون تحقيق التنمية البشرية المنشودة. تتراوح هذه التحديات بين ما هو سياسي واقتصادي، وما هو اجتماعي وثقافي، ما يجعل ملف التعليم أحد أبرز مظاهر الأزمة الوطنية الشاملة.

أولًا: التعليم العام – رحلة من التراجع

رغم الإرث التعليمي العريق الذي ورثه السودان من فترة الحكم الثنائي، والذي تجسد في مؤسسات مثل كلية غردون التذكارية ومعهد امدرمان العلمي، إلا أن التعليم العام سرعان ما دخل في دوامة من التسييس والارتجال في السياسات. فقد شهدت البلاد تغييرات متكررة في المناهج وأنظمة الامتحانات تبعًا لتغير الأنظمة السياسية، من دون رؤية استراتيجية ثابتة، مما انعكس سلبًا على استقرار النظام التعليمي وجودته [1].

إحصائيات:

معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في السودان (2022): 61% فقط، مقابل 76% في إثيوبيا، و78% في أوغندا [2].


الإنفاق الحكومي على التعليم كنسبة من الناتج المحلي: أقل من 1.2% في السودان، مقارنة بـ4.2% في إثيوبيا و5.6% في أوغندا [3].


نسبة المعلمين المؤهلين في المرحلة الأساسية: 54% في السودان، مقابل 79% في تشاد، و91% في رواندا [4].


أزمة فلسفة التعليم وهويته

من الجوانب المغفلة في تحليل أزمة التعليم في السودان هي غياب فلسفة تعليمية وطنية واضحة تعبر عن واقع البلاد الثقافي والاجتماعي والتاريخي. فمنذ الاستقلال، لم يتم تفكيك الإرث الاستعماري الذي صاغ التعليم على أسس تخدم الإدارة البريطانية [9].
وقد استمر هذا النهج بعد الاستقلال، بل فرضت الأنظمة المتعاقبة رؤى أيديولوجية فوقية إما تغازل الثقافة الغربية أو تنزع إلى الإسلام السياسي، في قطيعة مع واقع التنوع الثقافي واللغوي للسودان.

التحديات الهيكلية والتعليم في الهامش

تفاقمت الأزمة مع ضعف التمويل الحكومي، ما أدى إلى تدهور البنية التحتية في آلاف المدارس. أكثر من 30% من المدارس الابتدائية لا تملك مراحيض أو مياه شرب نظيفة [5].
وفي مناطق النزاع مثل دارفور والنيل الأزرق، فإن أكثر من مليون طفل في سن الدراسة خارج النظام التعليمي، وهو رقم أعلى من مثيله في أوغندا التي عانت حروبًا مشابهة.
كما تتفاوت نسب التحاق البنات بالمدارس بشكل كبير بين العاصمة والمناطق الريفية، إذ تصل إلى 85% في الخرطوم وتنخفض إلى أقل من 40% في ولايات مثل غرب كردفان [1].

ثانيًا: التعليم العالي – توسع كمّي على حساب النوع

دخل التعليم العالي في السودان مرحلة جديدة منذ التسعينيات فيما عُرف بـ"ثورة التعليم العالي"، التي ضاعفت أعداد الجامعات من أقل من 10 إلى أكثر من 40 جامعة خلال عقد واحد. لكن ذلك تم دون توفير تمويل كافٍ أو كوادر مؤهلة، مما أدى إلى تراجع الجودة [8].

أرقام مقارنة:

عدد الطلاب لكل أستاذ جامعي: 1:70 في السودان، مقارنة بـ1:30 في إثيوبيا و1:25 في مصر [4].


معدل الإنفاق على البحث العلمي: أقل من 0.2% من الناتج المحلي، بينما تنفق إثيوبيا حوالي 0.6%، وجنوب إفريقيا 0.8% [3].


عدد الجامعات السودانية في تصنيف QS أو Times 2023: 0، مقارنة بجامعتين إثيوبيتين و3 جامعات أوغندية [5].


التعليم المفتوح كمدخل لتوسيع فرص التعلم

في ظل التحديات التي يواجهها النظام التعليمي التقليدي في السودان، برز التعليم المفتوح كأحد الحلول الواعدة لتوسيع فرص الوصول إلى التعليم وتجاوز الحواجز الجغرافية والاقتصادية.
وتشير التقارير إلى أن أنظمة التعليم المفتوح أسهمت في خفض فجوة التعليم بين الذكور والإناث بنسبة 20% في رواندا وتنزانيا، ويمكن أن تمثل فرصة مماثلة للسودان [7].

آثار الحرب على قطاع التعليم في السودان

لم تكن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 نتيجة النزاع العسكري بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مجرد أزمة سياسية وأمنية، بل كانت لها تأثيرات مدمرة على قطاع التعليم في السودان. أدى الصراع إلى إغلاق معظم المؤسسات التعليمية في الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد، حيث توقفت المدارس والجامعات عن العمل لفترات طويلة، مما أثر بشكل كبير على قدرة الطلاب على استكمال دراستهم. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت البنية التحتية التعليمية، من مدارس ومرافق تعليمية، للتدمير نتيجة القصف والتخريب، وهو ما جعل الوصول إلى التعليم أكثر صعوبة في المناطق المتضررة [1].

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 2 مليون طالب وطالبة في مختلف المراحل التعليمية قد تأثروا مباشرة بسبب توقف الدراسة في مناطق الحرب [2]. كما أُجبر العديد من المعلمين على مغادرة أماكن عملهم بسبب المخاطر الأمنية، مما أدى إلى نقص حاد في الكوادر التعليمية المؤهلة. وبالطبع، فقد تسببت هذه الظروف في تفاقم الفجوة التعليمية، وزيادة معدلات تسرب الطلاب، خاصة في المناطق المتأثرة بالصراع مثل دارفور وكردفان.

إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتدهور الذي رافق الحرب، بما في ذلك نقص التمويل الحكومي، أثر بشكل كبير على قدرة الحكومة على إعادة تأهيل المدارس والمرافق التعليمية. ويقدر بعض الخبراء أن عملية إعادة بناء قطاع التعليم في السودان قد تستغرق سنوات، ما لم يتم توفير دعم دولي حقيقي ومستمر [3].

نحو إصلاح جذري وشامل

لا يمكن النهوض بالتعليم من دون مقاربة شاملة تستند إلى مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة. الإصلاح يتطلب:

زيادة الإنفاق على التعليم إلى 5% على الأقل من الناتج المحلي.


إعادة الاعتبار للغات والثقافات المحلية في المناهج.


تأهيل المعلمين وزيادة الحوافز لمنع تسربهم.


تعزيز التعليم التقني والمهني وربطه بسوق العمل.


إشراك المجتمعات المحلية في وضع السياسات التعليمية.


خاتمة

يمثل التعليم مفتاحًا للخروج من دائرة التهميش والتخلف. ولعل المقارنة مع دول كانت حتى وقت قريب تعاني من ظروف مشابهة، تؤكد أن الإرادة السياسية، والتخطيط الاستراتيجي، والاستثمار الحقيقي في الإنسان، قادرة على إحداث نهضة تعليمية حقيقية. فهل نمتلك هذه الإرادة في السودان؟

المراجع:

[1] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA), Sudan Humanitarian Response Plan, 2023.

[2] UNICEF, Impact of Conflict on Education in Sudan, 2023. [Online]. Available: https://www.unicef.org/sudan

[3] Sudan Ministry of Education, Assessment of Education Sector Damage Due to Recent Conflict, 2023.

[4] UNESCO, Global Education Monitoring Report, 2023.

[5] UNESCO Institute for Statistics, Youth Literacy Rate: Sudan, Ethiopia, Uganda, 2023. [Online]. Available: https://uis.unesco.org

[6] World Bank, Public Spending on Education (% of GDP), 2023. [Online]. Available: https://data.worldbank.org

[7] African Development Bank, Education Sector Report – Sudan, 2022.

[8] UNICEF Sudan, Education under Threat: Situation Report, 2023.

[9] QS World University Rankings, University Rankings by Region, 2023. [Online]. Available: https://www.topuniversities.com

[10] Open University UK and Commonwealth of Learning, The Role of Open and Distance Learning in Sub-Saharan Africa, 2022.

[11] Tangaza Journal of Education and Research, The Challenges of Postcolonial Education in Africa: A Critical Reflection, 2020.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق