1. مدخل
بعد اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، برزت مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، كمركز بديل للحكومة السودانية بعد انسحابها من الخرطوم. وفي خضم هذا التحول، تعززت العلاقة بين حكومة بورتسودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد. تهدف هذه الورقة إلى تحليل طبيعة هذه العلاقة ،من خلال تتبع المصالح المتبادلة والمواقع الطبقية والهيكلية التي تحكمها، ودور القوى الإقليمية والدولية في إعادة إنتاجها.
2. ملامح الدعم الإماراتي لحكومة بورتسودان
رغم التقارير المتعددة التي تشير إلى دعم إماراتي لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي [1][2]، فإن علاقات الإمارات بحكومة بورتسودان لم تنقطع. بل شهدت تنسيقًا لوجستيًا واقتصاديًا مهمًا، شمل:
دعم قطاع الصحة عبر الهلال الأحمر الإماراتي في بورتسودان.
تعاون مع وزارات النقل والطيران المدني السودانية.
اهتمام إماراتي متجدد بالموانئ السودانية، خصوصًا ميناء أبو عمامة الجديد [3].
زيارة مسؤولين إماراتيين ولقاء قيادات الحكومة القائمة في بورتسودان.
هذا يُظهر أن العلاقة ليست علاقة دعم سياسي مطلق، بل تحكمها المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، خصوصًا مع التنافس الإقليمي على البحر الأحمر.
3. التناقض بين الدعم الإماراتي وعداء بورتسودان للإمارات
رغم هذا التعاون، برز خطاب حكومي من بورتسودان يُلمّح إلى عداء تجاه الإمارات، متهمًا إياها بدعم قوات الدعم السريع وتغذية الصراع. هذا التناقض يُمكن تفسيره من منظور واقعي – براغماتي: الحكومة في بورتسودان مضطرة إلى التعامل مع الإمارات كممول وشريك اقتصادي مؤثر، لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى تحشيد الدعم السياسي المحلي والإقليمي عبر إظهار موقف "سيادي" ضد التدخلات الخارجية، خاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي تجاه الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع.
4. دور القوى الإقليمية والدولية
إلى جانب الإمارات، تلعب قوى إقليمية ودولية دورًا مركزيًا في تشكيل هذه العلاقة:
مصر تدعم بوضوح حكومة بورتسودان وتسعى لضمان عدم انتقال الصراع إلى البحر الأحمر، كما تخشى من هيمنة قوات الدعم السريع ذات الخلفية غير المؤسسية.
السعودية تمارس توازنًا حساسًا، فهي حليف للإمارات لكنها تدعم مسار جدة التفاوضي وتستضيف قيادات مدنية.
قطر تتحرك بحذر وتُبقي على علاقاتها مع مختلف الأطراف.
الولايات المتحدة وبريطانيا تميلان للضغط من أجل تسوية سياسية، مع تفضيلهما لحكومة مدنية تشمل جميع القوى.
روسيا تحاول توسيع نفوذها عبر اتفاقيات بحرية في بورتسودان، وقد استفادت من الفوضى لتعزيز علاقاتها مع الجيش.
الاتحاد الأوروبي يدعم المسار السياسي وعمليات الإغاثة الإنسانية، ويضغط ضد الانتهاكات.
الصين تراقب الوضع من منظور مصالح اقتصادية طويلة الأمد، وتحتفظ بعلاقات متوازنة مع كافة الأطراف.
تركيا تحتفظ بموقع رمادي، لكنها تحاول الاستفادة من حالة التنافس على الموانئ ومواقع النفوذ البحري.
5. تحليل لطبيعة العلاقة
تُشكّل العلاقة بين الإمارات وحكومة بورتسودان نموذجًا واضحًا لتجليات "الإمبريالية الجديدة"، حيث لا تُمارَس السيطرة من خلال الاحتلال المباشر، بل عبر أدوات اقتصادية واستثمارية وأمنية تُعيد إنتاج التبعية. الإمارات، بوصفها قوة رأسمالية ناشئة، تستخدم أدوات التمويل، والموانئ، والدعم اللوجستي لتأمين مصالحها في السودان، لا سيما في المناطق الاستراتيجية مثل البحر الأحمر.
في هذا السياق، تظهر حكومة بورتسودان بوصفها مثالًا على "البرجوازية الكمبرادورية" – أي تلك النخبة الحاكمة التي ترتبط مصالحها مباشرة برأس المال الأجنبي، وتلعب دور الوسيط بين الإمبريالية ومقدرات الدولة الوطنية. هذه الطبقة لا تمثّل مصالح الشعب أو التنمية المستقلة، بل تعيد تدوير التبعية وتكريس التفاوت الطبقي والاجتماعي، وتُخضع السيادة الوطنية لضرورات الرأسمال الخارجي.
كما يُمكن فهم سلوك الإمارات في السودان، خاصة في مناطق الموارد والموانئ، كجزء من "التراكم الإمبريالي" احيث تُستغل هشاشة الدولة الطرفية، وضعف مؤسساتها، والصراعات الداخلية فيها لفرض ترتيبات اقتصادية تخدم مراكز رأس المال وتُقصي قوى الداخل عن التحكم في مواردها. هذه الديناميات تعيد إنتاج علاقات الإنتاج غير العادلة وتُطيل من عمر الدولة التابعة، مما يعمّق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان.
6. السيناريوهات المستقبلية
أمام هذه العلاقة المعقدة، يمكن تصور عدد من السيناريوهات:
الاستمرار في التعاون البراغماتي: تحتفظ الإمارات بعلاقات مزدوجة مع الطرفين، وتواصل حكومة بورتسودان التنسيق الاقتصادي رغم الخلاف السياسي.
تصاعد التناقض: في حال انكشاف دعم الإمارات للدعم السريع بشكل مفضوح، قد تسعى حكومة بورتسودان إلى تصعيد الموقف ضدها، مما يخلق أزمة دبلوماسية.
إعادة التوازن عبر طرف ثالث: قد تدخل أطراف مثل السعودية أو مصر للوساطة بين الإمارات وبورتسودان للحفاظ على التوازن في البحر الأحمر.
7. خاتمة
العلاقة بين الإمارات وحكومة بورتسودان ليست مجرد تفاعل دبلوماسي تقليدي، بل تعبير عن صراع طبقي وتجاذب مصالح داخل سياق إقليمي ودولي معقد، يتجلّى هذا التفاعل كجزء من سيرورة تراكم رأسمالي غير عادل، تُستغل فيه الدولة الهشة وتُهمَّش فيه قوى الداخل لصالح تحالف برجوازي كمبرادوري مع رأس المال الإمبريالي. فهم هذه الديناميات شرط لفهم مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
المراجع
[1] A. Ibrahim, “UAE accused of arming Sudan’s Rapid Support Forces,” Al Jazeera, 2023. [Online]. Available: https://www.aljazeera.com/news
[2] R. Walsh, “Sudan conflict: The UAE’s controversial role,” BBC News, Oct. 2023. [Online]. Available: https://www.bbc.com/news
[3] M. Elhaj, “UAE signs port development deal in eastern Sudan,” Reuters Africa, Jan. 2024. [Online]. Available: https://www.reuters.com/africa
[4] D. Harvey, The New Imperialism, Oxford University Press, 2003.
[5] V. Lenin, Imperialism, the Highest Stage of Capitalism, International Publishers, 1917.
[6] S. Amin, Capitalism in the Age of Globalization, Zed Books, 1997.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق