الخميس، 17 أبريل 2025

أزمة السودان والاسلام السياسي

 

 1. مدخل عام

منذ انقلاب 30 يونيو 1989، دخل السودان في نفق مظلم نتيجة لسيطرة الإسلام السياسي على مفاصل الدولة. لم يكن المشروع الذي تبنّته الجبهة الإسلامية القومية سوى إعادة إنتاج لدولة سلطوية بثوب ديني، حيث استُخدم الدين كأداة للتمكين السياسي والاقتصادي. وقد ترك هذا النظام بصماته على كل جوانب الحياة السودانية: من الاقتصاد إلى التعليم، ومن الإعلام إلى الجيش.

2. الإسلام السياسي والرأسمالية الطفيلية

اتسم النظام الذي أسسته الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي لاحقاً بتحالفه العميق مع قوى الرأسمالية الطفيلية، وهي قوى اقتصادية لا تنتج بل تعيش على استغلال موارد الدولة والصفقات المشبوهة. نمت هذه الرأسمالية عبر الخصخصة غير الرشيدة، واحتكار شركات الأمن والجيش للاقتصاد، مما أدى إلى تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي لصالح اقتصاد ريعي مشوّه [1].

3. التحالف مع النخب العسكرية

لم يكن للإسلام السياسي أن يستمر في الحكم دون تحالفه مع النخب العسكرية. تم إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية بحيث يتم تطويعها عقائدياً من خلال تجنيد الكوادر الإسلامية، ومنح الامتيازات الاقتصادية، وتأسيس منظومات صناعية وتجارية تابعة للمؤسسة العسكرية [2]. وهكذا، أصبح الجيش شريكاً في السلطة والثروة، لا حامياً للدستور.

4. أسلمة الدولة وقمع التنوع الثقافي والديني

روّج النظام لمفهوم "الدولة الإسلامية"، وهو ما أدى إلى قمع التنوع الثقافي والديني واللغوي في السودان. تم فرض قوانين الشريعة الإسلامية بشكل انتقائي، واستُخدمت لشرعنة القمع السياسي والاجتماعي، خاصة ضد النساء والأقليات الدينية والثقافية [3].

5. الإعلام والتعليم كأدوات أيديولوجية

تمت السيطرة على أجهزة الإعلام والمؤسسات التعليمية وتحويلها إلى أدوات لنشر أيديولوجيا النظام. تم تشويه المناهج لتتماشى مع مفاهيم "المشروع الحضاري"، بينما تم التضييق على حرية التعبير والبحث العلمي. تحول التعليم إلى وسيلة للغسل الأيديولوجي بدلًا من كونه أداة للتنوير والتنمية [4].

6. تحالفات الإسلام السياسي مع الميليشيات لقمع الجماهير

اعتمد نظام الإسلام السياسي على تشكيل وتحالفات مع ميليشيات مسلحة لقمع الحراك الجماهيري والمعارضة السياسية، خصوصاً بعد توسع المقاومة المدنية. فقد أسس النظام "قوات الدفاع الشعبي" في التسعينيات، ثم توسّع لاحقاً في تسليح قبائل موالية في دارفور، مما مهّد لتأسيس "قوات الدعم السريع" بقيادة حميدتي، والتي شاركت في قمع الثورة السودانية وفض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، وأسفر عن مقتل أكثر من 120 شخصاً وفق تقارير طبية مستقلة [5].

7. أزمة ما بعد الثورة واستمرار التمكين

رغم سقوط رأس النظام في 2019، إلا أن الدولة العميقة ظلت متجذرة، خاصة في الأجهزة الأمنية والاقتصادية. فشل التحول الديمقراطي نتيجة للثقل المزدوج: المؤسسة العسكرية من جهة، وبقايا الإسلاميين من جهة أخرى، وهو ما أدى لانقلاب 25 أكتوبر 2021 واستمرار حالة اللااستقرار السياسي والاقتصادي.

إن تحالفات الإسلام السياسي مع الميليشيات المسلحة لم تكن مجرد وسائل أمنية أو تكتيكات ظرفية، بل تعبّر عن جوهر أيديولوجي يقوم على نفي الجماهير كمصدر للشرعية، واستبدالها بطبقة أمنية–ميليشياوية. بدلاً من بناء شرعية دستورية ديمقراطية، لجأ النظام إلى خلق شبكات زبائنية ومليشياوية تمارس العنف باسم الدين أو حماية "المشروع الحضاري". وعليه، فإن تفكيك هذا التحالف يتطلب تفكيكاً أيديولوجياً شاملاً وبناء دولة مدنية ديمقراطية.

المراجع:

[1] م. الطيب, التمكين في السودان: الإسلاميون وإعادة تشكيل الدولة, دار المصورات, 2018. 

[2] خ. أحمد, "الرأسمالية الطفيلية في السودان: دراسة حالة ما بعد التمكين", مجلة الاقتصاد السوداني، العدد 12، 2020.

[3] A. Young, The Sudanese State: Ethnicity, Religion, and Identity, Palgrave Macmillan, 2019. 

[4] ف. حسن, "التيارات الإسلامية في السودان: النشأة والتطور", مركز دراسات الوحدة العربية 2010

[5] Sudan Doctors Committee, "June 3 Massacre Report", Khartoum, 2020.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق