الخميس، 17 أبريل 2025

الأزمة السودانية: الحرية والسلام والعدالة

مقدمة

شهد السودان خلال العقود الأخيرة سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بلغت ذروتها في ثورة ديسمبر 2018 التي رفعت شعار "حرية، سلام، وعدالة" كمطلب محوري للشارع السوداني. غير أن المسار السياسي الذي تلا الثورة لم يحقق تطلعات الجماهير، بل أعاد إنتاج الأزمة في أشكال جديدة، وسط تفاقم الأوضاع المعيشية وتصاعد النزاعات المسلحة.

في هذا السياق، يبرز السؤال: ما الذي حال دون تحقق شعارات الثورة؟ وهل يمكن فهم هذه الأزمة بمعزل عن جذورها الطبقية والبنيوية؟  لا يمكن فهم الأزمة السودانية إلا من خلال تحليل علاقات الإنتاج، وتوازنات القوى الطبقية، والبنية الاقتصادية التابعة التي تشكل جوهر الدولة السودانية منذ الاستقلال.

أولًا: الحرية بين الشكل الليبرالي والمضمون الطبقي

يتم الترويج للحرية في الخطاب السياسي السائد بوصفها حرية التعبير، والتعددية الحزبية، والانتخابات الدورية. غير أن هذه الحريات الشكلية، في غياب تغييرات حقيقية في البنية الاقتصادية، لا تؤدي إلى تحرر فعلي للجماهير.

الحرية الحقيقية لا تتحقق إلا بتحرر الطبقات الكادحة والمهمشة من الاستغلال والسيطرة الرأسمالية. وفي السودان، تظل أدوات الإنتاج، والموارد، ووسائل الإعلام في قبضة طبقة طفيلية مترابطة مع الرأسمال العالمي. وبالتالي فإن الحديث عن الحرية دون تغيير علاقات السيطرة الاقتصادية لا يعدو كونه تزييفًا للوعي.

ثانيًا: السلام – غياب الحرب أم إنهاء أسبابها؟

وقعت حكومات السودان المتعاقبة عشرات الاتفاقيات مع الحركات المسلحة، لكنها لم تفلح في تحقيق سلام دائم. السبب الجوهري لذلك أن هذه الاتفاقات تتعامل مع النزاعات بوصفها خلافات بين نخب وليس نتيجة لظلم اجتماعي وإقصاء اقتصادي.

إن النزاعات المسلحة في السودان هي نتيجة مباشرة لعلاقات إنتاج غير متكافئة، وهيمنة اللطبقة الحاكمة (رسمالية طفيلية ونخب عسكرية وامنية وسياسيون برجوازيون) على الموارد، وتهميش مناطق بأكملها اقتصاديًا وثقافيًا. السلام لا يتحقق بتقاسم السلطة بين أطراف النخبة، بل بإنهاء جذور الصراع عبر إعادة توزيع الثروة، وتمكين المجتمعات المحلية، وتفكيك الدولة الريعية التابعة.

ثالثًا: العدالة – من منظور اجتماعي لا قانوني فقط

تُختزل العدالة في كثير من الأحيان في استقلال القضاء وتطبيق القوانين، لكن هذه الرؤية تتجاهل أن القوانين نفسها غالبًا ما تُصاغ لحماية مصالح الطبقة الحاكمة.

العدالة الاجتماعية،  تعني إنهاء الاستغلال، وإعادة توزيع الدخل، وتوفير الخدمات الأساسية للجميع. وفي السودان، تظل مؤشرات الفقر والبطالة وسوء التغذية مرتفعة نتيجة لسياسات النيوليبرالية التي فُرضت لعقود. لذلك، فإن العدالة لا يمكن تحقيقها دون تغيير جذري في السياسات الاقتصادية والبنى التحتية للتمييز الطبقي.

رابعًا: الثورة السودانية وإمكانية التغيير الجذري

انطلقت ثورة ديسمبر من رحم المعاناة الشعبية، بقيادة لجان المقاومة، والعمال، والطلاب، وصغار المنتجين. لكنها واجهت سريعًا قوى الثورة المضادة، التي تحالفت فيها عناصر النظام القديم مع نخب مدنية راغبة في تقاسم السلطة دون تغيير فعلي.

الثورة ليست لحظة احتجاج بل مسار طويل لتفكيك الدولة الرأسمالية وبناء دولة بديلة تقوم على سيادة الشعب المنتج. ويتطلب هذا بناء أدوات تنظيمية بديلة، كالنقابات الثورية، ومجالس العمال، والتحالفات الشعبية القاعدية.

خاتمة

إن شعارات "حرية، سلام، وعدالة" لا يمكن تحقيقها في إطار الدولة الحالية، ولا عبر التغيير الشكلي أو الإصلاح الجزئي. بل يتطلب ذلك مشروعًا تحرريًا جذريًا يستند إلى فهم طبقي للأزمة، ويعمل على تفكيك بنى الاستغلال، وبناء اقتصاد إنتاجي مستقل، ومجتمع عادل يضع الإنسان في مركز العملية التنموية.

إن الطريق إلى الحرية والعدالة والسلام لا يمر عبر الصفقات السياسية، بل عبر التنظيم الواعي للطبقات الكادحة والمهمشة، وإعادة بناء الدولة من الأساس، على قاعدة التحرر من التبعية، وتحقيق العدالة الطبقية والاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق