الاثنين، 22 أكتوبر 2012


فلسفة ابن رشد


أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن رشد، المعروف عند الغربيين في القرون الوسطى باسم أفروس Averroes ولد بقرطبة عام 520هـ(1126م). وكان جده قاضي قرطبة، وقد خلف عدة مؤلفات قيمة؛ كما كان أبوه قاضياً كذلك. ودرس ابن رشد في مسقط رأسه الفقه المالكي و الطب و من اشهر كتبه في الفقة (بداية المجتهد و نهاية المقتصد في الفقه ) ووصل الى منصب قاضي القضاة وذلك في ايام الخليفة يوسف ابن عبد المؤمن.

 ومن الأمور المهمة التي حدثت في حياة ابن رشد هي اتصاله بالخليفة يوسف ابن عبد المؤمن و الذي قدمه الى الخليفة هو الفيلسوف ابن طفيل و طلبب منه ابن طفيل بعد ذلك بناء على رغبة الخليفة ايضا ان يقدم لهم شروحات ارسطو لقد اراد الخليفة ان يقرأها ولكنه كان يشكو من الصعوبات التي يجدها في عبارات ارسطو كما ترجمها المترجمون فطلب منه ابن طفيل شرح شروحات ارسطو. وقد حدثت لأبن رشد نكبة في اواخر حياته تمثلت في اجراء محاكمة له و نفيه الى بلدة على مقربة من قرطبة. كان من اهم اسبابها مجيء خليفة كان يكره الفلسفة و التلفسف وهو هو ابو يوسف المسمي بالمنصور


ابن رشد و ارسط
لقد شرح ابن رشد كتب ارسطو ثلاث انواع من الشرح شرح اكبر وشرح وسيط و شرح اصغر اي تلاخيص ولا يخفي ابن رشد و الذي يعد اخر الفلاسفة العرب اعجابه الشديد بارسطو فهو على سبيل المثال يقول في مقدمة شرحة لكتاب الطبيعة لأرسطو (مؤلف هذا الكتاب اكثر الناس عقلا و هو الذي الف في علوم المنطق و الطبيعيات و ما بعد الطبيعة و اكملها و سبب قولي هذا ان جميع الكتب التي الفت قبل مجيء ارسطو في هذه العلوم لا تستحق جهد التحدث عنها )و يمكن القول ان ابن رشد يتميز بحس نقدي عال و يقول الدكتور عاطف العراقي ان الفلاسفة الذين يتميزون بحس نقدي انما يقفون على قمة عصورهم الفلسفية و لقد نقد ابن رشد الصوفية نقدا عنيفا ثم نقد الأشاعرة نقدا عنيفا ايضا.

 موقفه من الأشاعرة
ربما نستطيع ان نلخص موقفه من الأشاعرة في موقفه من ابي حامد الغزالي لأن الرجل كان يمثل الأتجاه الأِشعري و الصوفي معا ويقول الدكتور عاطف العراقي ان ابي حامد الغزالي لا يعد فيلسوفا و ان كان قد حشر في زمرة الفلاسفة حشرا. الغزالي قد الف كتاب اسماه تهافت الفلاسفة لينتقد فيه افكار قد ذكرها الفارابي و ابن سينا و انتهى فيه الى تكفير الفلاسفة في 3 مسائل هيا :

1.     القول بقدم العالم

2.     القول بان الله تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات

3.     القول بأن الثواب و العقاب في الأخرة انما هو للنفس وليس للجسد


ولقد تصدى ابن رشد في كتابه تهافت التهافت لأراء الغزالي موضحا ان الفلاسفة لم يقولوا بهذه الأراء على الصورة التي فهمها الغزالي  و كان ابن رشد يرى ان الغزالي غرضه التشويش

 

دلائل ابن رشد على وجود الله

1.     دليل العناية الألهية

2.     دليل الأختراع (يعني ان كل اختراع لابد له من مخترع )

3.     دليل الحركة (ويعني ان حركة الكون لايمكن ان تكون مصادفة فلابد ان يكون لها محركا)

ان ايمان ابن رشد بالعلاقة بين الأسباب و المسببات ايمان كبير جدا و لولا هذا الأيمان ما كان ابن رشد قد كلف نفسه العناء في الدفاع عن العقل العربي ضد الأشاعرة و على راسهم الغزالي
فانهم قد ذهبوا الى القول بانه لا توجد ضرورة بين الأسباب و المسببات
و ابن رشد يؤكد دائما على السببية

و اذا كان ابن رشد قد اهتم باثبات وجود الله تعالى من خلال ادلة عقلية و على اساس نظرة تقوم على العلاقة بين الأسباب و المسببات. فاننا نجده ايضا مهتما بالتوفيق بين الدين و الفلسفة
فلقد دافع ابن رشد وبقوة عن التأويل و الأجتهاد في فهم الأيات القرأنية. وكان رايه صريحا وجريئا اذ انه كان يعني اذا ما توافق العقل مع الشرع فانه لا توجد هناك مشكلة وان اختلفا فانه يجب علينا ان نعيد تفسير الأيات تفسيرا يقبله العقل لأن الله هو من خلق لنا العقل و ارسل لنا الدين و الطبيعي ان لا يتعارضا

(ونحن نقطع قطعا كل ما ادى اليه البرهان و خالفه ظاهر الشرع ان ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي و هذه قضية لا يشك فيها مسلم ولا يرتاب فيها مؤمن )

 و يؤكد ابن رشد ان التفسير للنص لا يجب ان يكون تفسيرا حرفيا و ان المعني يجب ان نتامل فيه و نفكر فيه و يمكن القول بكل ثقة ان ابن رشد و غيره من الفلاسفة شجعتهم ايات من القرأن الكريم تحث على التأمل و البحث و النظر.


هل الأنسان مخير ام مسير عند ابن رشد :

كان الجبرية قد رأو ا ان الأنسان مثل الريشة في مهب الريح ولا يملك ان يختار
و الأشاعرة حاولوا الوقوف موقف وسط بين الجبرية و حرية الأرادة (المعتزلة)
و انحاز ابن رشد الى المعتزلة


ابن رشد و الغرب
و لقد كان اثر ابن رشد قويا جدا في ارثاء اسس العقل العربي ولكن للأسف لم نستفد منها
و نجح تلاميذ ابن رشد في اوروبا ان يؤسسوا ما عرف باسم عصر العقل و هو العصر الذي سبق و ادى بالضرورة الى قيام النهضة الأوروبية التي نراها الأن

 و لقد ضحي الكثيرين من الأوروبيين بحياتهم في سبيل نشر افكار ابن رشد و شروحاته لأرسطو
و منهم الكاهن الهولندي هرمان فان ريزويك الذي قال يوم احراقه بتهمة الهرطقة في لاهاي عام 1512

 (ان أعلم العلماء أرسطو وشارحه ابن رشد هما اقرب الى الحقيقة بهما اهتديت وبفضلهما رأيت النور الذي كنت عنه عميا).

يقول الاستاذ لويجي رينالدي في بحثه ( المدنية العربية في الغرب) قال (ومن فضل العرب علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثيرٍ من فلاسفة اليونان وكانت لهم الايدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات ارسطاطاليس ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء، وكتب المفكر الانجليزي جون روبرتسون في كتاب ( تاريخ وجيز للفكر الحر)

ان ابن رشد اشهر مفكر مسلم لأنه كان أعظم المفكرين المسلمين أثرا وأبعدهم نفوذا في الفكر الأوروبي فكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى..!!

الأحد، 21 أكتوبر 2012


منهج صياغة البدائل لتحقيق العدالة الإجتماعية في المجتمع السوداني


 إن الدولة السودانية الوطنية ورثت دولة المستعمر في العام 1956 وتطورت على غرارها، مستنسخة هياكلها ووظائفها : دولة مركزية تنصب نفسها وصية على المجتمع ككل، تراقبه وتسيره بل وتبتلعه ابتلاعا.  أن الاستعمار البيرطاني  قد ميز بين أقاليم البلاد المختلفة، وكان التميز واضحاَ بين المناطق التي له فيها منافع اقتصادية واستراتيجية، حيث طور البنيات التحتية بها وقدم فيها الخدمات و فنصب فيها بنيات دولته الحديثة، الإدارية منها والاقتصادية والإعلامية والتعليمية، بالقدر الذي يخدم مصالحه الاستعمارية والاقتصادية والاستراتيجية، وبين المناطق التي لا منافع له فيها  ولا أهمية استراتيجية فتركها وشأنها مكتفيا بمراقبتها تجتر فقرها وخشونة الحياة فيه، (مناطق وسط السودان ومناطق غرب وجنوب وشرق السودان بدرجات متفاوتة).

أنتجت هذه السياسة الاستعمارية التفاوت الهائل الذي بقي يتسع ويتعمق على مستوى التحديث والنمو، بين المناطق المختلفة في البلاد، وزاد هذا التفاوت واتسع مع الدولة الوطنية التى سارت على خطى دولة المستعمر وفسلفتها. ولم يكن هذا التفاوت يعنى بالنواحي الاقتصادية والإدارية والعمرانية فقط، بل أتسع يشمل أيضا الجوانب الثقافية والفكرية والسلوكية. مما انتج وكرس ثنائية (ظاهرة الازدواجية والانشطار والإستقطاب) في أوجه الدولة المختلفة من اقتصادية واجتماعية تمثلت في ثنائية القطاع الحديث والقطاع التقليدي، والنخبة الحديثة والنخبة التقليدية والثقافة العربية الإسلامية والثقافة الإفريقية وسكان المدن والمهمشين وغيره. وترتب عن هذه الثنائية انشطار عميق في الوعي والسلوك عم الجميع رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً. أن الدولة الوطنية في السودان (الدولة الإستقلال) ورثت هذه الوضعية فأصبحت دولة  يمزقها الإستقطاب الثنائي ومشوهة المعالم مثقلة بالحروب الأهلية، تتداولت السلطة فيها نظم اعتمدت على القبيلة أو الحزب الواحد (الحاكم) أو التعددية الطائفية أو الديموقراطية المشوهة أو الدين، لحسم الصراع الاقتصادي/الاجتماعي

 حاولت حكومات الدولة الوطنية بجدية على تعميم مظاهر التحديث بدرجات متفاوتة، وذلك بإقرار بعض التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية على مستوى النقل والإدارة وتوفير الخدمات المجانية على صعيد التعليم والصحة، ورغم الاختلاف الإيدولوجي لهذه الحكومات لم تفلح في حسم الازدواجية المتنامية المتغلغلة في جسم المجتمع والتي تعيد إنتاج نفسها باستمرار.  

 تأثرت الدولة الوطنية بالتغيرات السياسة والاقتصادية التي شهدها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات هذا القرن. أدت هذه التغيرات إلى زيادة واتساع الفوارق الاجتماعية والثقافية إلى درجة أصبح معها المجتمع يحتضن مكونيين: عالم الحداثة الذي يحاكي وينافس مثيله في أوربا وأمريكا، وعالم الموروث الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الفكري الذي ينتمي بمجمله إلى القرون الوسطى، بل إلى المظاهر الجامدة المتزمتة في تاريخنا، ونتيجة لذلك زاد من خطورة الأزدواجية في الدولة الوطنية  وتعمق الصراع السياسي وانتشر في جميع انحاء البلاد.

 يشهد العالم اليوم مرحلة من التحول الجذري، على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي كما على الصعيد العلمي، تحولاً لم ترى البشرية مثله من قبل من حيث الكم المعرفي ووتيرة التحول. وهناك أربعة محاور تشكل المجتمعات الحديثة وهي (1) العولمة حيث يطغي ماهو اقتصادي على ماهو ايدلوجي (2) تقانة المعلومات والاتصال، والدور الذى تقوم به في تغير الاقتصاديات وتوفير المعلومات وانتقالها بسرعة هائلة متخطية حاجر الزمان والمكان والثقافة (3) الهندسة الجينية والتي ستفتح افاق كبيرة لتغير كثير من المورثات والاساليب المستخدمة في تنظيم حياة البشر وما كان يعتبر من الثوابت وأخيرا (4) التقانة النانوية والتي ستسمح بانتاج أشياء كانت من الخيال العلمي لوقت قريب.

 ان التحولات الاقتصادية والجتماعية التي شهدها العالم منذ منتصف القرن العشرين لم تحدث مصادفة واتفاقاً، بل جاءت امتدادا ونتيجة للحملات استعمارية والمنافسات الدولية والصراعات الإجتماعية التي انتجت إيديولوجيات متضاربة ومتصارعة كان لها الأثر الكبير فى هذه التحولات. بعد الحرب العالمية الثانية ومع صعود الثورة الصناعية تردد على نطاق واسع من العالم شعار: "الاشتراكية هي الحل " للمسألة الاجتماعية التي تتمثل في الاستغلال الطبقي والطغيان الرأسمالي، وللمسألة القومية والظاهرة الاستعمارية والتنافس الدولي الإمبريالي. ورآى الفلاسفة والمفكرين الثوريين منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين بأن  طريق تحقيق العدالة الاجتماعية يرسم عبر التأميم، والأممية البروليتارية.

 كنتيجة للتطورات والكشوفات العلمية الهائلة التي شهدها العالم منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي وفشل التطبيق الاشتراكي الشيوعي في الإتحاد السوفيتي وغيره من الدول الشيوعية. تغيرت الشعارات المحددة طريق تحقيق العدالة الاجتماعية عند كثير من المفكرين والسياسين فحل شعار الخصصة محل شعار التأميم و شعار "العولمة" محل شعار "الأممية البروليتارية" ، وسادت بين كثير من المفكرين والسياسين الأصلاحين وبعض الثورين شعار "الليبرالية هي الحل". وتراجعت بعض افكار مثل تحقيق العدالة الاجتماعية عبر "تأجيج الصراع الطبقي قطريا ودوليا". وتقدم العمل الإنساني، والتي كان ينظر أليها سابقاً بكثير من الشك، وظهرت جمعيات أهلية (طوعية وغير حكومية) مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان لتقوم بدور محورى في عملية تحقيق العدالة الاجتماعية ووتحاول هذه الجمعيات الأهلية أن تمثل "قطاع ثالث" بين الدولة والسوق، قطاع يهتم بتخفيف وقع الاستبداد السياسي  والظلم الاجتماعي على الطبقات المستضعفة،  إضافة إلى التخفيف من وقع الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية.

 ونتيجة لهذه التحولات العلمية والاقتصادية والاجتماعية أتسعت الشقة بين المكونات الثانية التي تشكل المجتمع السوداني، وافرزت كثير من الحركات والتجمعات والتحالفات السياسية الدينية والقبلية التي اعتمد أكثرها العنف في العمل السياسي، واتسم العمل السياسي بصورة العامة في الأونة الأخيرة بمظاهر التطرف وأعمال العنف التي ترتكب باسم الدين أو غيره والتي تجد دوافعها الاجتماعية الاقتصادية في الظلم الاجتماعي الذي يستشري في الدولة بصورة يزيدها غياب الديمقراطية وسياسة الإقصاء والتهميش استفحالا وعمقا.

 في إطار كل هذه التحولات والواقع التي عليه الدولة السودانية الوطنية اليوم هناك سؤالين أساسيين وجوهريين لابد من العمل الفكري الجاد للإجابة عليهما حتى نتمكن  لوضع خارطة طريق وصياغة بدائل لتحقيق العدالة الاجتماعية في البلاد :

1.     هل ستساعد كل من الخصصة والعولمة على التخفيف من وقع الازدواجية والانشطار والإستقطاب والتفاوت الكبير بين مكونات المجتمع السوداني أم أنهما ستزيدان هذا الواقع التخلف استشراءً وتجذراً؟

2.  كيف يمكن التمييز بين ما هو اجتماعي اقتصادي، وبالتالي سياسي، وبين ما هو "إنساني"؟ وكيف يمكن انتشال "الشأن الإنساني" من لاإنسانية الشأن الاقتصادي/ السياسي الذي تحكمه اليوم أكثر من أي وقت مضى قوانين السوق، قوانين الربح والمنافسة؟